إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما عدوا من مبعث النبي ولا من وفاته إلا من مقدمه المدينة

          3934- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبيُّ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ) أبي حازمٍ سلمة بن دينارٍ (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ) بسكون الهاء والعين، السَّاعديِّ، أنَّه (قَالَ: مَا عَدُّوا) التَّاريخ (مِنْ) وقت (مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلعم ) قيل: لأنَّ وقته كان مختَلفًا فيه بحسب دعوته للحقِّ ودخول الرُّؤيا الصَّالحة فيه، فلا يخلو من نزاعٍ‼ في تعيين سَنَتِه (وَلَا مِنْ) وقت (وَفَاتِهِ) لِما يقع في تذكُّره من الأسف والتَّألُّم على فراقه (مَا عَدُّوا) ذلك (إِلَّا مِنْ) وقت (مَقْدَمِهِ المَدِينَةَ) مهاجرًا، وإنَّما جعلوه من أوَّل المُحرَّم لأنَّ ابتداء العزم على الهجرة كان في أوَّل المُحرَّم؛ إذ(1) البيعة وقعت في أثناء ذي الحجَّة؛ وهي مقدِّمة الهجرة، فكان أوَّل هلالٍ استهلَّ بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال محرَّمٍ، فناسب أن يُجعَل مبتدأً(2)، وكان ذلك في خلافة عمر ☺ سنة سبع عشرة، فجمع / النَّاس، فقال بعضهم: «أرِّخ بالمبعث، وقال بعضهم: بالهجرة، فقال عمر: الهجرة فرَّقت بين الحقِّ والباطل فأرِّخوا بها، وبالمُحرَّم لأنَّه مُنصرَف النَّاس من حجِّهم(3) فاتَّفقوا عليه»، رواه الحاكم وغيره، والذي تحصَّل من مجموع الآثار أنَّ الذي أشار بالمُحرَّم عمرُ وعثمانُ وعليٌّ، وذكر السُّهيليُّ: أنَّ الصَّحابة ♥ أخذوا التَّاريخ بالهجرة من قوله تعالى: {لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ}[التوبة:108] لأنَّه من المعلوم أنَّه ليس أوَّل الأيَّام مطلقًا، فتعيَّن أنَّه أُضيف إلى شيءٍ مُضمَرٍ، وهو أوَّل الزَّمن الذي عزَّ فيه الإسلام، وعَبَدَ فيه النَّبيُّ صلعم ربَّه آمنًا، وابتُدِئ فيه ببناء المساجد(4)، فوافق رأي الصَّحابة ♥ ابتداء التَّاريخ من ذلك اليوم، وفهمنا من فعلهم أنَّ قوله تعالى: {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ}[التوبة:108] أنَّه أوَّل(5) التَّاريخ الإسلاميِّ(6).


[1] في (م): «إذا»، وهو تحريفٌ.
[2] في (ص): «مبدأ».
[3] في غير (س): «حجَّتهم».
[4] في (م): «بناء المسجد».
[5] «أوَّل»: ليس في (ص).
[6] «الإسلاميِّ»: جاء في (م) سابقًا بعد قوله: «ابتداء التَّاريخ».