إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ضحك الله الليلة من فعالكما

          3798- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو ابن مسرهَدٍ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ) بن عامرٍ الهَمْدانيُّ الكوفيُّ (عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ) بالغين والزَّاي المعجمتين، و«فُضَيل» بالتَّصغير، أبو الفضل الكوفيِّ (عَنْ أَبِي حَازِمٍ) بالحاء المُهمَلة والزَّاي، سلمان الأشجعيِّ لا سلمةُ بنُ دينارٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ : أَنَّ رَجُلًا) هو أبو هريرة (أَتَى النَّبِيَّ صلعم ) زاد في «التَّفسير» [خ¦4889] «فقال: يا رسول الله أصابني الجهد» (فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ) أمَّهات المؤمنين يطلب منهنَّ ما يضيفه به (فَقُلْنَ: مَا مَعَنَا) أي: ما عندنا (إِلَّا المَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ) ولأبي ذرٍّ: ”فقال النَّبيُّ“ ( صلعم : مَنْ يَضُمُّ) إليه في طعامه (أَو يُضِيْفُ) بكسر الضَّاد المُعجَمة وسكون التَّحتيَّة (هَذَا) الرَّجل؟ بالشَّكِّ من الرَّاوي (فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ): يا رسول الله (أَنَا) أضيفه (فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ) لها: (أَكْرِمِي ضَيْفَ رَسُولِ اللهِ صلعم ، فَقَالَتْ) له: (مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي) بالياء بعد النُّون، ولأبي ذرٍّ: ”صبيانٍ“ بتنوين النُّون بغير ياءٍ، وفي «مسلمٍ»: «فقام رجلٌ من الأنصار، يُقال له: أبو طلحة»، وعلى هذا فالمرأة(1) أمُّ سُلَيمٍ‼، والأولاد أنسٌ وإخوته، لكن استبعد الخطيب أن يكون أبو طلحة هذا هو زيد بن سهلٍ عمّ أنس بن مالكٍ زوج أمِّه، فقال: هو رجلٌ من الأنصار لا يُعرَف اسمه، ووجهه أنَّ هذا الرَّجل المضيف ظهر من حاله أنَّه كان قليل ذات اليد، فإنَّه لم يجد ما يضيف / به إلَّا قوت أولاده، وأبو طلحة زيد بن سهلٍ كان أكثر أنصاريٍّ بالمدينة مالًا، ونقل ابن بَشْكُوال عن أبي المتوكِّل النَّاجي: أنَّه ثابت بن قيسٍ، وقيل: عبد الله بن رواحة (فَقَالَ) لها: (هَيِّئِي طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِي سِرَاجَكِ) بهمزة قطعٍ ومُوحَّدةٍ بعد الصَّاد المُهمَلة في «اليونينيَّة» وغيرها، أي: أوقديه، وفي الفرع: ”وأصلحي“ باللَّام المُوحَّدة، ولم أرها كذلك في غيره (وَنَوِّمِي صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً) قال في «المصابيح»: ففيه نفوذ فعل الأب على(2) الابن وإن كان منطويًا على ضررٍ؛ إذا كان ذلك من طريق النَّظر، وأنَّ القولَ فيه قولُ الأب والفعل فعله؛ لأنَّهم نوَّموا الصِّبيان جياعًا إيثارًا لقضاء حقِّ رسول الله صلعم في إجابة دعوته، والقيام بحقِّ ضيفه (فَهَيَّأَتْ) زوجة الأنصاريِّ (طَعَامَهَا، وَأَصْبَحَتْ) بالمُوحَّدة أوقدت (سِرَاجَهَا وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا) بغير عَشَاءٍ (ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا، فَأَطْفَأَتْهُ، فَجَعَلَا) الأنصاريُّ وزوجته (يُرِيَانِهِ) بضمِّ أوَّله (أَنَّهُمَا) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”كأنَّهما“ (يَأْكُلَانِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ) أي: بغير عشاءٍ، وأَكَلَ الضَّيفُ (فَلَمَّا أَصْبَحَ؛ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم ) جواب «لمَّا» قوله: «غدا» ضُمِّن فيه معنى الإقبال، أي: لمَّا دخل الصَّباح أقبل على رسول الله صلعم (فَقَالَ) له صلعم : (ضَحِكَ اللهُ اللَّيْلَةَ _أَوْ) قال: (عَجِبَ_ مِنْ فَعَالِكُمَا) الحسنة، وفاءُ «فَعَالكما» مفتوحةٌ، ونسبة الضَّحك والتَّعجُّب(3) إلى الباري جلَّ وعلا مجازيَّةٌ، والمراد بهما: الرِّضا بصنيعهما (فأَنْزَلَ اللهُ) ╡ ({وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}) قال في «النِّهاية»: الخصاصة: الجوع والضَّعف، وأصلها: الفقر والحاجة إلى الشَّيء، والجملة في موضع الحال، و«لو» بمعنى الفَرَض، أي: ويؤثرون على أنفسهم مفروضةً خصاصتُهم ({وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ}) أضافه إلى النَّفس؛ لأنَّه غريزةٌ فيها، والشُّحُّ اللُّؤم وهو غريزةٌ، والبخل: المنعُ نفسُه، فهو أعمُّ؛ لأنه قد يوجد البخل ولا شحَّ ثمَّة ولا ينعكس، والمعنى: ومن غلب ما أمرتْهُ به نفسه وخالف هواها بمعونة الله ╡ وتوفيقه ({فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر:9]) الظَّافرون بما أرادوا، وسقط لأبي ذرٍّ قوله «{وَمَن يُوقَ ...}» إلى آخره.
          وهذا الحديث أخرجه المؤلِّف أيضًا [خ¦4889]، والتِّرمذيُّ والنَّسائيُّ في «التَّفسير»، ومسلمٌ في «الأطعمة».


[1] في (م): «فالمراد».
[2] في (ص): «مع».
[3] «والتَّعجُّب»: ليس في (ص).