الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب دعاء النبي: اجعلها عليهم سنين كسني يوسف

          ░2▒ (باب: دُعَاء النَّبِيِّ صلعم: اجْعَلْها عَلَيهِم(1) سِنِين...) إلى آخره
          قال الحافظ: وجه إدخاله في أبواب الاستسقاء التَّنبيه على أنَّه كما شرع الدُّعاء بالاستسقاء للمؤمنين، كذلك شرع الدُّعاء بالقحط على الكافرين، ويمكن أن يقال: إنَّ المراد أنَّ مشروعيَّة الدُّعاء على الكافرين في الصَّلاة تقتضي مشروعيَّة الدُّعاء للمؤمنين فيها، فثبت بذلك صلاة الاستسقاء خلافًا لمن أنكرها. انتهى.
          وبالأوَّل شَرَحَ العينيُّ، وكذا شيخ المشايخ في «تراجمه».
          وأجاد السِّنْديُّ فقال: ذكره لأنَّه دعاء بقحوطِ المطر على مَنْ يستحقُّه، ففيه إشارة إلى أنَّه لا بدَّ مِنَ النَّظر في الاستسقاء إلى أهليَّة مَنْ يدعي(2) لهم(3). انتهى.
          قوله: (اللَّهُمَّ اجْعَلْها سِنِينَ) كتبَ الشَّيخ في «اللَّامع»: قصَّتان جمعهما المؤلِّف لما ذكره أستاذه إيَّاهما جميعًا، وإلَّا فشأنه أرفع مِنْ أن يخفى عليه مثلُ ذلك(4)، فكان وقوع دعاء السَّنَة في مكَّة، ودعوته لهؤلاء المسلمين كانت بالمدينة. انتهى.
          وهذا إيراد معروف على الإمام البخاريِّ، أورده شيخنا السهارنفوري شارح أبي داود [صاحب] «البذل(5) المجهود»، وهكذا ذكر الشُّرَّاح كلُّهم، لكنَّهم ذكروه في حديث ابن مسعود الآتي في (باب: إذا اسْتَشْفَع المشركون بالمسلمين).
          ويؤيِّد الشَّيخ ما قالَ العَينيُّ في الباب المذكور تحت قوله: (فجاءه أبو سفيان...) إلى آخره، وكان مجيئه قبل الهجرة لقول ابن مسعود: البطشة الكبرى يوم بدر، ولم يُنْقَل أنَّ أبا سفيان قدم المدينة قبل بدر(6). انتهى.
          ثمَّ لا يذهب عليك أنَّ الأوجه عند هذا العبد الفقير إلى الله الغنيِّ أنَّ هاهنا أربعة وقائع معروفة:
          الأولى: دعاؤه صلعم على قريش بمكَّة قبل الهجرة بعد طرحهم على ظهره صلعم سَلا جَزورٍ، المذكور في حديث ابن مسعود، وفيها دعاؤه ╕ بسبع سنين.
          والثَّانية: دعاؤه على مضر خاصَّة بهذا الدُّعاء أيضًا في القنوت، وهي بالمدينة سنة أربع مِنَ الهجرة، وكان بدء القنوت في هذه السَّنة.
          والوقعة الثَّالثة: خروجه صلعم للاستسقاء إلى المصلَّى، وكان في رمضان سنة ستٍّ مِنَ الهجرة.
          والرَّابعة: دعاؤه في خطبة الجمعة المذكورة في حديث أنس ☺ ، وكان بعد مرجعه مِنْ غزوة تبوك.
          وقد اختلط في هذه الوقائع كلام الشُّرَّاح، وأدخلوا قصَّة في قصَّة أخرى بمجرَّد اتِّحاد ألفاظ الدُّعاء، والله سبحانه وتعالى أعلم.


[1] قوله: ((عليهم)) في (المطبوع).
[2] في (المطبوع): ((يدعَى)).
[3] حاشية السندي:1/122
[4] يبدو أن الكلام المنقول ناقص وسيحرر في اللَّامع إن شاء الله تعالى.
[5] في (المطبوع): ((بذل)).
[6] عمدة القاري: ج7/ ص45 مختصرا