التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: إن الله ليس بأعور ألا إن المسيح الدجال أعور العين اليمنى

          3439- 3440- قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ): تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ أنَّه أنسُ بنُ عياضٍ، و(مُوسَى) بعده: هو الإمامُ ابنُ عقبةَ، و(عَبْدُ اللهِ): هو ابنُ عُمر، وهذا ظاهِرٌ؛ لأنَّ الراويَ عنه نافعٌ، ونافعٌ ليس له شيءٌ في الكُتُب السِّتَّة عن ابنِ مسعودٍ، وابنُ مسعود قديمُ الوفاة، تُوُفِّيَ سنة ░32هـ▒.
          قوله: (بَيْنَ ظَهْرَانَي النَّاسِ) وفي نسخة: (بين ظهرَي الناس)، قال ابن قرقول: («بين ظهرَي الناس»: كذا رواه الباجيُّ وابن عتَّاب وبعضُ أشياخنا، وعند الجمهور: «بين ظهراني الناس»؛ ومعناه: بينهم).
          قوله: (الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ): تَقَدَّمَ ضبطه في أوائل هذا التعليق [خ¦86]، وسأذكره في (الفتن) [خ¦92/26-10563]، ومَن أراد إشباع الكلام فيه؛ فلينظر «التذكرة» للقرطبيِّ.
          قوله: (أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى): كذا في «البُخاريِّ» و«مسلم»، وفي أواخر «مسلم»: (أعور العين اليسرى)، وكلاهما صحيحٌ، والعَوَر في العين: العيب، وعيناه معيبتان عوراوان، إحداهما طافِئَة _بالهمز_: لا ضوء فيها، والأخرى: طافِيَة _بلا همز_: ناتئة.
          قوله: (طَافِئة): رويت بالهمز وعدمه، وكلاهما صحيحٌ، والمهموزة: التي ذهب نورها، وغير المهموزة: هي التي نتأَتْ وطَفَتْ مرتفعةً وفيها نورٌ، وقد تَقَدَّمَ أعلاه.
          قوله: (وَأَرَانِي اللَّيْلَةَ): (أَراني)؛ بفتح الهمزة، من رؤية العين، وكذا قيَّدَه ابن قرقول وغيرُه، وقد رأيته في نسخةٍ صحيحةٍ ضبطه في الهامش بالضَّمِّ والفتح، وكتب في النسخة: (دار الذهب)؛ أي: في نسخة دار الذهب بفتح الهمزة وضمِّها.
          قوله: (آدَمُ): تَقَدَّمَ أنَّه أسمرُ أعلاه.
          قوله: (مَا يُرَى): هو بضَمِّ أوَّله، مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ.
          قوله: (لِمَّتُهُ بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ): (اللِّمَّة) من شعر الرأس: ما جاوز شحمة الأذن، فإذا بلغَتِ المنكبين؛ فهي جُمَّة، قاله في «الصحاح»، وقال في (الجُمَّة): (بالضَّمِّ: مجتمع شعر الرأس، وهي أكثر من الوفرة)، وقال في (وفر) ما لفظه: (والوَفْرَة: الشعر إلى شحمة الأذن، ثُمَّ الجُمَّة، ثُمَّ اللِّمَّة؛ وهي التي ألمَّت بالمنكبين).
          قوله: (رَجِلُ الشَّعَرِ): تَقَدَّمَ ضبطه وما هو بظاهرها [خ¦3437].
          قوله: (يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ): قال القاضي عياض _كما نقله النَّوويُّ عنه_: (أمَّا طواف عيسى إنْ كانت هذه رؤيا عينٍ) _وقد ذكر القاضي أقوالًا خمسةً عن قوله: إنَّه ╕ رآهم يحجُّون ويُلبُّون، قال: (وهم أمواتٌ، وهم في الدار الآخرة، وليست دارَ عملٍ؛ أحدها: أنَّهم كالشهداء بل أفضلُ منهم، والشهداءُ أحياءٌ عند ربِّهم، فلا يبعد أنْ يحجُّوا ويصلُّوا كما ورد في الحديث الآخر؛ لأنَّهم وإنْ كانوا قد تُوفُّوا؛ فهم في هذه الدار الدنيا التي هي دار العمل، حتَّى إذا فنيت مدَّتُها، وتعقَّبتها الدار الآخرة التي هي دار الجزاء؛ انقطع العمل، الثاني: أنَّ عمل الآخرة ذكرٌ ودعاءٌ، الثالث: أنَّها رؤية منام في غير ليلة الإسراء أو في بعضها، الرابع: أنَّه أُري حالهم التي كانت في حياتهم، الخامس: أنَّه أُخبِر عمَّا أُوحِيَ إليه من أمرهم وما كان منهم وإنْ لَمْ يرهم رؤية عينٍ)، انتهى مُلَخَّصًا_؛ قال القاضي: (فعيسى حيٌّ لَمْ يمت؛ يعني: فلا امتناع في طوافه حقيقةً، وإنْ كانت منامًا، كما نبَّه عليه ابن عُمر في روايته، فهو يحتمل لِما تَقَدَّمَ ولتأويل الرؤيا، قال القاضي: وعلى هذا يُحمَل ما ذُكِر من طواف الدجَّال بالبيت، وإنْ كان ذلك؛ كان رؤيا؛ إذ قد ورد في «الصحيح»: أنَّه لا يدخل مكَّة ولا المدينة [خ¦1881]، مع أنَّه لَمْ يذكر في رواية مالكٍ طواف الدجَّال [خ¦5902]، وقد يقال: إنَّ تحريم دخول المدينة عليه إنَّمَا هو في حال فتنته، والله أعلم)، انتهى(1).
          قوله: (هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ): تَقَدَّمَ الكلام قريبًا عليه(2) لم قيل له: المسيح [خ¦60/46-5268]، وتقدَّمت بعض ترجمته وبعض ترجمة أمِّه ♂ [خ¦60/44-5264].
          قوله: (جَعْدًا قَطَـِطًا): الجَعْد: بفتح الجيم، وإسكان العين وبالدال المُهْمَلَتين، و(قَطَطًا): بفتح القاف، وبطاءين مهملتين(3)، الأولى مفتوحة ومكسورة أيضًا، والشعر الجعد: ضدُّ السَّبط؛ وهو الذي فيه عزَّةٌ ورجوعٌ في نفسه، ليس بالليِّن في استرساله، فإذا وصف بالقَطَط؛ كان الشديد الجعودة؛ كشعور السودان.
          قوله: (بِابْنِ قَطَنٍ): (قَطَن) بفتح القاف والطاء المُهْمَلَة، ثُمَّ نون، قال الدِّمْيَاطيُّ: (هو عبدُ العُزَّى بن قَطَن بن عَمرو بن حَبِيب بن سعيد بن عائذ بن مالك بن جَذيمة _وهو المصطلق_ بن سعد بن عَمرو بن لُحيِّ _وهو ربيعة_ بن(4) حارثة بن عَمرو مُزيقياء، أمُّه هالةُ بنت خُوَيلد أختُ خديجة، وكذلك أكثم بن أبي الجون الخزاعيُّ قال له النَّبيُّ صلعم: «رُفِع لي الدَّجَّال؛ فإذا رجلٌ جَعْدٌ، وأشبهُ من رأيت به أكثمُ بن أبي الجون»، فقال أكثم: يا رسول الله؛ هل يضرُّني شبهي إيَّاه؟ قال: «لا، أنت مسلمٌ، وهو كافرٌ»، كذا قاله ابنُ سعدٍ، وقال ابنُ منده في أكثم: إنَّ النَّبيَّ صلعم شبَّهه بعَمرو بن لُحيٍّ، لا بالدَّجَّال)، انتهى.
          وفي «المسند» لأحمد ابن حنبل من حديث جابر بن(5) عبد الله: أنَّ لُحيَّ بن عَمرو _كذا وقع_ شبَّهه ╕ بمعبد بن أكثم، فقال ما قال، وقيل له مثل ما قيل لأكثم، وفي «المسند» أيضًا من حديث الطُّفيل بن أُبيٍّ عن أبيه مثله، انتهى.
          ولأكثم بن أبي الجون _وقيل: ابن الجون_ الكعبيِّ حديثٌ: «خير الرفاق أربعةٌ...» في «مسند أبي يعلى»، وقد ذكره الدِّمْيَاطيُّ أيضًا في (باب الطواف بالكعبة في المنام) من (كتاب التعبير)، فقال نحو ما قاله فيه هنا، ولم يذكر ما يتعلَّق بأكثم، وسأذكره حيث ذكره إن شاء الله تعالى [خ¦7026].
          تنبيه: في «مسند أحمد ابن حنبل» بسنده إلى أبي هريرة(6) قال: قال رسول الله صلعم: «خرجت إليكم وقد بُيِّنَت لي ليلةُ القدر ومسيحُ الضلالة...»؛ الحديث، إلى أن قال: «وأمَّا مسيح الضلالة؛ فإنه أعور العين، أجلى الجبهة، عريض النحر، فيه [دَفًا]، كأنَّه قَطَن بن(7) عبد العُزَّى»، قال: يا رسول الله؛ هل يضرُّني شبهُه؟ قال: «لا، أنت امرؤٌ مسلمٌ، وهو امرؤٌ كافرٌ»، انتهى، فهذا فيه إثباتُ صحبة قَطَن بن عبد العُزَّى، والذي يظهر لي أنَّ صواب هذا الاسم العكس: عبد العُزَّى بن قَطَن، ولم يذكروه في الصَّحَابة، وسيأتي قريبًا من كلام الزُّهْرِيِّ أنَّه هلك في الجاهليَّة [خ¦3441]؛ أعني: عبد العُزَّى بن قطن، وفي كونه أسلم نظرٌ من وجوهٍ؛ أحدها: أنَّه لو أسلم؛ لغيَّر ╕ اسمَه، ولِغَير ذلك أيضًا.
          تنبيهٌ نبَّه عليه [عليه] الصَّلاة والسَّلام: شبَّه ◙(8) عينَ الدجَّال بعين شخصٍ من الصَّحَابة يقال له: أبو تِحْيى؛ بكسر المُثَنَّاة فوق، وإسكان الحاء المُهْمَلَة، وهو من الأنصار، كما رواه الحاكم في «المستدرك» في (الكسوف) من حديث سَمُرَة بن جُنْدب، وهو / في «السنن الأربعة» مُطَوَّلًا في بعضها ومختصرًا في بعضها، والله أعلم.
          قوله: (تَابَعَهُ عُبَيْدُ اللهِ عَنْ نَافِعٍ): الضمير في (تابعه) يعود على موسى؛ وهو ابن عُقبَة، و(عُبَيد الله) هذا: هو عُبَيد الله بن عُمر بن حفص بن عاصم بن عُمر بن الخَطَّاب، وتعليقه هذا لَمْ أره في شيءٍ من الكُتُب السِّتَّة إلَّا ما هنا، والله أعلم.


[1] (انتهى): ليس في (ب)، وانظر «إكمال المُعْلِم» ░1/522_523▒، «المنهاج شرح مسلم» ░2/402▒.
[2] في (ب): (عليه قريبًا).
[3] في (ب): (وبالطاءين المهملتين).
[4] (بن): سقط من (ب).
[5] (بن): سقط من (ب).
[6] زيد في (ب): (☺).
[7] (بن): سقط من (ب).
[8] (◙): ليس في (ب).