التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: لما كان بين إبراهيم وبين أهله ما كان خرج

          3365- قوله: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): الظاهرُ أنَّه المسنَديُّ، وقد قَدَّمْتُ(1) أنَّه كذلك في (الشرب) [خ¦2368].
          قوله: (لَمَّا كَانَ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَأَهْلِهِ مَا كَانَ): يشير إلى قصَّة غَيرَةِ سارة من هاجر لمَّا ولدت إسماعيل.
          قوله: (ومَعَهَا شَنَّةٌ): تَقَدَّمَ أنَّها القِربة البالية [خ¦138].
          قوله: (فَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ): هي آجر، وقد تَقَدَّمَت [خ¦2217].
          قوله: (وَيَدِرُّ لَبَنُهَا): هو بكسر الدال، ورأيت في نسخةٍ صحيحةٍ بكسر الدال وضمِّها بالقلم، وكُتِب عليه: معًا.
          قوله: (تَحْتَ دَوْحَةٍ): هي الشجرة العظيمة، تَقَدَّمَت [خ¦1802].
          قوله: (كَدَاءً): هو(2) بفتح الكاف، ممدودٌ، مصروفٌ، تَقَدَّمَ في (الحجِّ) [خ¦1576].
          قوله: (فَصَعِدَتِ): هو بكسر العين، وهذا ظاهِرٌ.
          قوله: (هَل تُحِسُّ أَحَدًا؟): (تُحسُّ): بضَمِّ أوَّله، رُباعيٌّ، ويقال: ثُلاثيٌّ.
          قوله: (يَنْشَغُ): هو بفتح أوَّله، وسكون النون، ثُمَّ شين معجمة مفتوحة(3)، ثُمَّ غين معجمة أيضًا، يقال: نشَغ يَنشَغ؛ بالفتح فيهما؛ ومعناه: يعلو نَفَسه كالشهيق من شدَّة ما يَرِدُ عليه من شوقٍ أو أسفٍ حتَّى يكاد يدركه الغَشْيُ.
          قوله: (فَلَمْ تُقِرَّهَا نَفْسُهَا): (تُقِرَّها): بضَمِّ أوَّله وكسر القاف، والضمير مفعولٌ، و(نفسُها): بالرفع فاعلٌ.
          [قوله]: (فَقَالَ بِعَقِبِهِ): هو مؤخَّر القدم، وغمزُ الأرض بعقبه(4) فيه إشارة إلى أنَّ هذا الماء لهذا المولود ولعقبه، وقد تَقَدَّمَ [خ¦3364].
          قوله: (فَانْبَثَقَ الْمَاءُ): هو بالوصل وسكون النون، ثُمَّ مُوَحَّدة مفتوحة، ثُمَّ ثاء مُثَلَّثَة مفتوحة، ثُمَّ قاف؛ أي: انفجر، يقال: بِثْقٌ وبَثْقٌ، لموضع انفجار الماء.
          قوله: (فَدَُهِشَتْ): هو بالبناء للمفعول وللفاعل، لغتان معروفتان.
          قوله: (فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلعم: «لَوْ تَرَكَتْهُ؛ كَانَ الْمَاءُ ظَاهِرًا»): هذا مَرْفُوعٌ، وقد تَقَدَّمَ أنَّ الباقيَ موقوفٌ، وهو في حكم المرفوع [خ¦3364].
          قوله: (فَنَكَحَ مِنْهُمُ امْرَأَةً): هذه المرأة سمَّاها السُّهَيليُّ في «روضه»: جَدَّاء بنت سعدٍ، انتهى، وسيجيء في المرأة الثانية ذكر مَن عزاه السُّهَيليُّ(5) إليه.
          قوله: (بَدَا لإِبْرَاهِيمَ): (بدَا) _بغير همزٍ_ ظهر، وهذا ظاهِرٌ.
          قوله: (تَرِْكَتِي): قال ابن الأثير في «نهايته»: (التَرْكة؛ بسكون الراء في الأصل: بَيض النعام، وجمعها: تَرْك، يريد به: ولدَه إسماعيل وأمَّه هاجر، تركهما بمكَّة، قيل: ولو روي بكسر الراء؛ لكان وجهًا مِنَ التَّرِكة؛ وهو الشيء المتروك، ويقال لبيض النعام: تريكة، وجمعها: ترائكُ)، انتهى، وقال في «المطالع»: («يطالع تركته»؛ أي: ولده الذي تركه بالمكان القَفْرِ)، انتهى، وفي أصلنا: (تَرِكَتِي): بكسر الراء، ثُمَّ أُصلِحَت على (تَرِكَتِي) و(تَرْكَتِي)، وقد رأيتُ في نسخةٍ صحيحةٍ هذه اللَّفظةَ هنا ساكنةَ الراء، وعليها (صح)، وفي المكان الثاني: ضبطها كذلك وصُحِّحَ، ثُمَّ كُتِب في الحاشية ما لفظه: (دار الذهب: «تَرِكَتِي»؛ بكسر الراء هنا وفي الموضعين بعده)، انتهى.
          قوله: (أَنْتِ ذَاكِ): هو بكسر الكاف؛ لأنَّه خطابٌ لمؤنَّثٍ، وهذا ظاهِرٌ.
          قوله: (ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا): تَقَدَّمَ أعلاه أنَّه بغير همزٍ؛ أي: ظهر.
          قوله: (تَرِكَتِي): يأتي فيه ما قدَّمته أعلاه.
          قوله: (فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ): هذه المرأة الثانية، قال السُّهَيليُّ: (المرأة الثانية _التي قال له أبوه معها: «ثَبِّت عتبة بابك» في الزَّورة الثانية_ يقال: اسمها سامة بنت مهلهل، ذكرها والتي قبلها الواقديُّ في «انتقال النور»(6)، وذكرهما المسعوديُّ أيضًا)، قال السُّهَيليُّ: (وقد قيل في الثانية: عاتكة)، انتهى، ذكره في أوَّل «الروض»، وذكر شيخنا قولًا آخر عن السُّهَيليِّ في اسم هذه الثانية: (أنَّه السيِّدة)، ولم أرَه أنا في «روضه»، قال شيخنا: (وعند ابن سعدٍ: أمُّ ولد إسماعيل: رعلةُ(7) بنت مضاض بن عمرو الجرهميِّ، وعند الكلبيِّ: رعلة بنت يشجُب بن يعرُب بن لوذان ابن جرهم(8)، وعند الجوانيِّ(9): هالة بنت الحارث بن مضاض، ويقال: سلمى، ويقال: الخيفاء)، انتهى، فحصل في اسمها خلافٌ؛ وهو سامة، وقيل: عاتكة، وقيل: السيِّدة، وقيل: رعلة، وقيل: هالة، وقيل: سلمى، وقيل: الخيفا؛ فهذه سبعة أقوالٍ في هذه الثانية، والله أعلم.
          قال بعض الحُفَّاظ المُتَأخِّرين: (قال هشام ابن الكلبيِّ: هي رعلة بنت يشجُب بن يعرُب بن لوذان بن جرهم)، قال الحافظ المشار إليه لمَّا ذكر الأقوال في اسمها: (قلت: والنفس إلى ما قال ابن الكلبيِّ أَمْيلُ)، والله أعلم.
          قوله: (فَتَطْعَمَ): هو بفتح التاء؛ أي: تأكل، مَنْصُوبٌ، ونصبه معروفٌ، و(تَشْرَبَ): معطوف عليه.
          قوله: (فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلعم: «بَرَكَةٌ بِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ صلعم»): وهذا القدرُ مَرْفُوعٌ؛ فاعلمه.
          قوله: (ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لإِبْرَاهِيمَ): (بَدَا) بغير همز؛ أي: ظهر، وقد تَقَدَّمَ أعلاه(10).
          قوله: (تَرِكَتِي): تَقَدَّمَ أعلاه الكلام عليه.
          قوله: (إِنَّ رَبَّكَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ له بَيْتًا)، و(أَمَرَنِي أَنْ تُعِينَنِي عليه؛ قال: إِذَنْ أَفْعَلَ): لا مخالفة بين هذا وبين ما تَقَدَّمَ، فيجوز أن يكون طلب منه الإعانة أوَّلًا؛ فأجاب، ثُمَّ أخبره ثانيًا: أنَّ الله أمره بها، والله أعلم.
          تنبيهٌ: رأيتُ مَن يحتجُّ بهذا الحديث على أنَّ الذَّبيح إسحاقُ، وقال: إنَّه لم يُذكَر في الحديث أنَّه جاء إليه وهو صغيرٌ، وإنَّما جاء إليه وهو كبيرٌ وقد نكح ثُمَّ طلَّق، ثُمَّ جاء إليه وقد تزوَّج الثانية، فلم يجدْه، ثُمَّ جاءه مَرَّةً ثالثةً، فوجده، فأين الذبح؟!
          والجواب: أنَّ في «مسند أحمد» بسنده إلى أبي الطفيل قال: (قلت لابن عَبَّاسٍ: يزعم قومُك أنَّ النَّبيَّ صلعم يسعى بين الصفا والمروة، وأنَّ ذلك سنَّةٌ، قال: صَدَقوا، إنَّ إبراهيم ◙ لمَّا أُمِر بالمناسك؛ عرض له الشيطان...) إلى أن قال: (قد تلَّه، قال يونس _المذكور في سند الحديث_: وثمَّ تلَّه للجبين، وعلى إسماعيل قميصٌ أبيضُ، فقال: يا أبة ليس لي ثوبٌ تكفِّنني فيه غيره؛ فاخلعه(11) حتَّى تكفِّنني فيه، فعالجه ليخلعَه، فنودي: {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ. قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}[الصافات:104- 105]، فالتفت إبراهيم؛ فإذا هو بكَبشٍ أبيضَ، أقرنَ، أعينَ...)؛ الحديث، وفيه أيضًا عن ابن عَبَّاسٍ فذكره إلَّا أنَّه قال: (وثمَّ تلَّ إبراهيمُ إسماعيلَ للجبين)؛ فاستفِدْه، وقد أخرج هذا الإمامُ أحمدُ في «المسند»، فهو عنده مَرْفُوعٌ، وهذا قد تَقَدَّمَ أنَّ الصَّحَابيَّ إذا قال قولًا لا مجالَ للاجتهادِ فيه؛ أنَّه يكون مرفوعًا، وأنَّ الشَّافِعيَّ قد نصَّ على مثل هذا، والإمامُ فخر الدين في «المحصول» [خ¦3364]، وكذا ذكر الحاكم في «المستدرك» بعض هذا الحديث عن ابن عَبَّاسٍ موقوفًا عليه، فهو عنده أيضًا مَرْفُوعٌ في المعنى، والكلامُ على الذبيح؛ أهو إسماعيل _وهو الصواب_ أو إسحاق؟ وذِكْرُ الأدلَّةِ يُخرِجُني عمَّا قصدتُه، وقد ذكر ابن القَيِّمِ في ذلك كلامًا حسنًا، ورَدَّ أنَّه إسحاق من ثلاث آياتٍ في القرآن، وقد رأيت الاستدلال ببعضها لبعض السلف، وذكر فيه كلامًا عن ابن تيمية أبي العَبَّاس، فإن أردته؛ فانظره في أوائل «الهَدْيِ»؛ فإنَّه كلامٌ حسنٌ، والله أعلم.


[1] زيد في (ب): (ذلك).
[2] في (ب): (هي).
[3] في (أ): (مفتوحتين).
[4] في (ب): (بقدمه).
[5] (السُّهيلي): سقط من (ب).
[6] (انتقال النور): ضرب عليه في (ب).
[7] في (ب): (رعيلة).
[8] في (ب): (الجربلمي)، وهو تحريفٌ، ينظر «الطبقات الكبرى» ░1/34▒.
[9] في (أ): (الجوني)، وفي (ب): (الجرمي)، وكلاهما تحريفٌ، والمثبت من «التوضيح»، فهو محمد بن سعد بن عليٍّ الشريف المالكيُّ الجُوَّانيُّ، من مؤلَّفاته «التحفة الظريفة في طبقات النسابين»، و«ديوان العرب»، و«جوهرة الأدب في إيضاح النسب»، و«الذروة الأنيسة بمشهد السيدة نفيسة»، توفِّي سنة ░588هـ)، انظر «لسان الميزان» ░6/564▒ ░6788▒، «هدية العارفين» ░2/103▒.
[10] في (ب): (بظاهرها).
[11] في (أ): (فاخعله)، وهو تحريف عن المثبت.