التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: لولا بنو إسرائيل لم يخنز اللحم

          3330- قوله: (حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ): تَقَدَّمَ أنَّه بكسر المُوَحَّدة، وإسكان الشين المُعْجَمَة، وهذا مَعْرُوفٌ عند أهله، وتَقَدَّمَ (عَبْدُ اللهِ) هذا: أنَّه عبدُ الله بن المبارك، وتَقَدَّمَ (مَعْمَرٌ): أنَّه بميمَين مفتوحَتَين بينهما عَين ساكنة، وأنَّه ابنُ راشدٍ، و(هَمَّام): تَقَدَّمَ أنَّه ابنُ مُنَبِّه، و(أَبُو هُرَيْرَةَ): تَقَدَّمَ(1) أنَّه عبد الرَّحْمَن بن صخر، على الأصَحِّ من نحو ثلاثين قولًا.
          قوله: (لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ؛ لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ): وذلك لأنَّهم خَبَؤوه فَخَنِزَ، وقد ذكر الذَّهَبيُّ في «ميزانه» في ترجمة عمَّار بن مطر حديثًا مرفوعًا عن ابن عمر: «لولا بنو إسرائيل خَبَؤوا اللحم؛ ما خَنِز اللحم»، وسيأتي قريبًا بتمامه.
          قوله: (نَحْوَهُ؛ يَعْنِي: «لَوْلَا بَنُو إِسْرَائِيلَ؛ لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ...»)؛ الحديث: اعلم أنَّ الشيخ إذا حدَّث بحديث بإسناد له، وذكر متنَ الحديث، ثمَّ أتبعه بإسنادٍ آخرَ، وحذف متنَه، وأحال به على المتن الأوَّل بقوله: (مثلَهُ) أو (نحوه)؛ فهل لِمَن سمع ذلك أن يقتصر على السند الثاني، ويسوقَ لفظَ حديث السند الأوَّل؟ فيه ثلاثة أقوال؛ أظهرها: مَنْعُ ذلك، وهو قول شعبة، والثاني: جواز ذلك إذا عُرِف أنَّ الراويَ لذلك ضابطٌ مُتَحفِّظ، يذهب(2) إلى تمييز الألفاظ، وعدِّ الحروف، فإن لم يُعرَف ذلك منه؛ لم يَجُز، حكاه الخطيب عن بعض أهل العلم، وقال سفيان الثَّوْريُّ: (قال فلان عن فلان [مثله]) يجزئ، وإذا قال: نحوه؛ فهو حديثٌ، والثالث: أنَّه يجوز في قوله: (مثله)، ولا يجوز في قوله: (نحوه)، وهو قول ابنِ مَعِين، وعليه يدلُّ كلامُ الحاكم أبي عبد الله، قال الخطيب: (وهذا على مذهب مَن لم يُجِز الرواية على المعنى، وأمَّا على مذهب مَن أجازها؛ فلا فرق بين «مثله» أو «نحوه»)، قال الخطيب: (وكان غير واحدٍ من أهل العلم إذا روى مثل هذا؛ يورد الإسناد ويقول: «مثلَ حديثٍ قبلَه متنُه كذا وكذا»، ثمَّ يسوقه)، قال: (وكذلك إذا كان المحدِّث قد قال: «نحوه»، وهذا الذي أختاره)، انتهى.
          وانظر كيف فعل الإمام البُخاريُّ، فإنَّه ساق سند الحديث الثاني الذي أوَّله شيخه بِشْر بن مُحَمَّد، ثمَّ قال: (نحوه)، وساق الحديثَ المذكورَ قبلَ السندِ الثاني، فقال: (يعني: «لولا بنو إسرائيل...»)؛ الحديث، وهذا صنيعٌ حسنٌ، والله أعلم.
          تنبيهٌ: هل للمحدِّث الذي سمع الحديث بصيغة: (مثله) حذف (مثله)، ويذكر الحديث الذي يريده؟ لم أرَ فيه كلامًا لأحدٍ، وقد رأيتُ المؤلِّف ☼ ذكر في (الزكاة) في (باب أجر المرأة إذا تصدَّقت أو أطعمت...) إلى آخر الترجمة قال: (حدَّثنا آدم: حدَّثنا شعبة: حدَّثنا منصورٌ والأعمشُ، عن أبي وائلٍ، عن مَسْروقٍ، عن عائشةَ ♦، عَنِ النَّبيِّ صلعم؛ تَعْنِي: «إذا تصدَّقَتِ المرأةُ مِن طعام زوجِها...») [خ¦1439]، فقد ظهر لي أنَّه عمل ذلك كذلك، وحَذَف (مثله)، والحديثُ المحالُ عليه هناك(3) مذكورٌ في «الصحيح» قُبَيل هذا الحديث المذكور هناك(4)، وهذا أولى من حذف (نحوه)، وقد تجوَّز البُخاريُّ في الأمرين الحذفَ؛ أعني: حذف (مثله) و(نحوه)، والله أعلم، وقد أشرت إلى المسألة في (الزكاة)، وأحلتها على هذا المكان [خ¦1439]، ويحتمل أنَّه كذلك رواه البُخاريُّ ☼، وأنَّ هذا التصرُّف من تصرُّف أحدٍ من رواة ذاك الحديث، والله أعلم.
          قوله: (لَمْ يَخْنَزِ اللَّحْمُ): (يَخنَـِز): بفتح أوَّله، وبفتح النون، وتُكسَر أيضًا، يقال: خنَز اللَّحم يخنِز، وخنِز يخنَز: أنتن، ومثله: خَزِن، وخَمَّ، وصَلَّ، وأَخَمَّ، وأَصَلَّ، وأنتن، قاله ابن قرقول.
          قوله: (وَلَوْلَا حَوَّاءُ): هي بفتح الحاء المُهْمَلَة، وتشديد الواو، وبالمدِّ، ولا يجوز قصرها، وهي أمُّ البشر ♀، وقد اختلف العلماء في الوقت الذي خُلِقَت فيه على قولين؛ قال ابن عَبَّاس وابن مسعود: دخل آدم الجنَّة وحده، فلمَّا استوحش؛ خُلِقت حوَّاء من ضِلَعه، والثاني قاله ابن إسحاق: أنَّها خُلِقَت مِن ضِلَعه _يعني: القُصَيْرى اليسرى_ قبل دخوله الجنَّة، ثمَّ أُدخِلا الجنَّة جميعًا، وفي «تاريخ ابن عساكر لدمشقَ»: (أنَّها سكنت بيت لِهْيَا)؛ قريةٌ معروفةٌ بقرب دمشق من الغوطة، وفيه أيضًا بإسناده عن ابن عَبَّاس: (سُمِّيَت حوَّاءُ؛ لأنَّها أمُّ كلِّ حيٍّ)، وفيه: (أنَّ حوَّاء أُهبِطت من الجنَّة بجُدَّة)، وفيه عن عثمان بن السَّاج(5): (بلغني أنَّ حوَّاء وَلَدَت لآدمَ أربعين ولدًا في عشرين بطنًا، وكانت تلد غلامًا وجارية)، وعن ابن إسحاق عن الزُّهْرِيِّ وغيره أنَّهم قالوا: وُلِد لآدمَ في الجنَّة هابيلُ وقابيلُ وأختاهما، وقال ابن إسحاق: وبلغني عن غير هؤلاء: أنَّه لم يُولَد لآدم في الجنَّة، فالله أعلم أيُّ ذلك كان؟ وعن محرز بن عبد الله عن ابن المُسَيِّـَب: سمعت عمر بن الخَطَّاب يقول: سمعت رسول الله صلعم يقول: «أخبرني جبريل ◙ أنَّ الله بعثه إلى أُمِّنا حوَّاءَ حين دَمِيَت، فنادت ربَّها: جاء منِّي دمٌ لا أعرفه، فناداها: لأُدْمِيَنَّكِ وذُرِّيَّتَكِ، ولأجعلنَّه لَكُنَّ كفَّارةً وطَهُورًا»، قال الدَّارَقُطْنيُّ: (حديثٌ غريبٌ)، انتهى(6).
          ويردُّ هذا ما في «الصحيح»: «هذا أمرٌ كتبه الله على بنات آدم»، قال البُخاريُّ في (الحيض) من هذا «الصحيح»: (وقال بعضهم: كان أوَّل ما أُرسِل الحيضُ على بني إسرائيل، وقول النَّبيِّ صلعم أصحُّ) [خ¦6/1-495]؛ يعني: «هذا أمرٌ كتبه على بنات آدم».
          فائدةٌ: اختُلِف في نبوَّة حواءَ، والصحيح: أنَّها ليست نبيَّة، وسأذكر ذلك مع غيره في (باب قول الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ}[مريم:16]) [خ¦60/44-5264].
          قوله: (لَمْ تَخُنْ أُنْثَى زَوْجَهَا(7)): قال القاضي عياض _كما نقله النَّوويُّ عنه_: (معنى الحديث: أنَّها أمُّ بنات آدمَ فأَشْبَهْنَها [بالولادة] ونزع العِرق؛ لما جرى لها في قصَّة الشجرة مع إبليس، فزيَّن لها(8) أكلَ الشجرة، فأغواها، فأخبرت آدمَ بالشجرة، فأكل منها)، انتهى.
          وقد ذكر الذَّهَبيُّ في «ميزانه» في ترجمة عمَّار بن مطر حديثًا مرفوعًا عن ابن عمر: «لولا بنو إسرائيل خَبَؤوا اللحمَ؛ ما خَنِز اللحم، ولولا حوَّاء خانت آدمَ في / قولها لإبليس؛ ما خانت امرأةٌ زوجَها»، انتهى، وإنَّما ساقه الذَّهَبيُّ إنكارًا عليه، والله أعلم، وأمَّا شيخنا فنقل عن قتادة: أنَّ المنَّ والسلوى كان يسقط على بني إسرائيل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس؛ كسقوط الثلج، فيُؤخَذ منه بقدر ما يغني ذلك اليوم إلَّا يوم الجمعة، فإنَّهم يأخذون له وللسبت، فإن تَعَدَّوا به أكثر من ذلك؛ فَسَدَ ما ادَّخروا، فكان ادِّخارهم فسادًا للأطعمة عليهم وعلى غيرهم، انتهى كلام قتادة، وقال بعضهم: لمَّا نزلت المائدة عليهم؛ أُمِروا ألَّا يدَّخروا، فادَّخروا، وقيل: يحتمل أن يكون مِن اعتدائهم في السبت، انتهى.


[1] زيد في (ب): (أبو هريرة).
[2] (يذهب): سقط من (ب).
[3] في (ب): (ذلك).
[4] (هناك): سقط من(ب)، يعني المصنِّفُ: الحديث ░1437▒، ولعلَّ الحديثَ المراد هو الحديث الذي بعده ░1440▒، وعليه؛ فليس في الحديث حذفٌ، وكأنَّ البخاريَّ اختصر لفظ الحديث الأوَّل وأحال على ما بعده، والله أعلم.
[5] في (أ): (السياح) وفوقها: (كذا، يُحرَّر)، وفي (ب): (الشماح)، والمثبت من «تهذيب الأسماء واللغات» هو الصواب، ولم يذكره ابن عساكر عن عثمان بن الساج.
[6] (انتهى): ليس في (ب)، وعزاه السيوطيُّ في «الفتح الكبير في ضمِّ الزيادة إلى الجامع الصغير» ░1/55_56▒ للدارقطنيِّ في «الأفراد»، وانظر الكلام بتمامه في «تهذيب الأسماء واللغات» ░3/771_772▒ ░1186▒.
[7] زيد في (أ): (الدهر).
[8] (لها): سقط من(ب).