شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قذف العبيد

          ░45▒ باب: قَذْفِ العَبْدِ.
          فيه أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قال رسول الله صلعم: (مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ وَهُوَ بَرِيءٌ مِمَّا قَالَ جُلِدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ). [خ¦6858]
          في هذا الحديث النهي عن قذف العبيد والاستطالة عليهم بغير حقٍّ؛ لإخبار النبيِّ صلعم أنَّه من فعل ذلك جلد يوم القيامة.
          وقوله: (إِلا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ) دليلٌ أنَّه لا إثم عليه في رميه عبده بما فيه، وأنَّ ذلك ليس من باب الغيبة المنهيِّ عنها في الأحرار.
          قال المُهَلَّب: والعلماء مجمعون أنَّ الحرَّ إذا قذف عبدًا فلا حدَّ عليه، وحجَّتهم قوله صلعم: ((مَنْ قَذَفَ(1) مَمْلُوكَهُ جُلِدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)) فلو وجب عليه الحدُّ في الدنيا لذكره ◙ كما ذكره في الآخرة، فجعل ◙ العبيد غير مقاومين للأحرار في الحرمة في الدنيا، فإذا ارتفع ملك العبد في الآخرة واستوى الشريف والوضيع، والعبد والحرُّ، ولم يكن لأحدٍ فضلٌ إلَّا بالتقى، تكافأ الناس في الحدود والحرمة، واقتصَّ لكلِّ واحدٍ من صاحبه إلَّا أن يعفو أحدٌ عن أخيه، وإنَّما لم يتكافؤوا في الدنيا؛ لئلَّا تدخل الداخلة على المالكين من مكافأتهم لهم، فلا تصحُّ لهم حرمةٌ ولا فضلٌ في منزلةٍ، وتبطل محنة التسخير؛ حكمةٌ من الحكيم الخبير لا إله إلا هو.
          وقال مالكٌ والشافعيُّ: من قذف من يحسبه عبدًا فإذا هو حرٌّ فعليه الحدُّ.
          قال ابن المنذر: واختلفوا فيما يجب على قاذف أمِّ الولد، فروي عن ابن عمر أنَّه عليه الحدُّ، وبه قال مالكٌ، وهو قياس قول الشافعيِّ، وذلك إذا قذفت بعد موت السيِّد، وهو قياس قول كلِّ من لا يرى بيع أمَّهات الأولاد، وروي عن الحسن البصريِّ أنَّه كان لا يرى جلد قاذف أمِّ الولد.


[1] في (ت): ((ومن جلد)).