شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا أقر بالحد ولم يبين هل للإمام أن يستر عليه؟

          ░27▒ باب: إِذَا أَقَرَّ بِالْحَدِّ وَلَمْ يُبَيِّنْ هَلْ لِلإمَامِ أَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهِ؟
          فيه: أَنَسٌ قَالَ: (كُنْتُ عِنْدَ النَّبيِّ صلعم فَجَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْهُ، وحَضَرَتِ الصَّلاةُ فَصَلَّى مَعَ النَّبيِّ صلعم، فَلَمَّا قَضَى النَّبيُّ صلعم الصَّلاةَ قَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ، فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْ في كِتَابَ اللهِ. قَالَ: أَلَيْسَ قَدْ صَلَّيْتَ مَعَنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ اللهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ). [خ¦6823]
          قال المُهَلَّب وغيره: لمَّا أقرَّ الرجل عند النبيِّ صلعم بأنَّه أصاب حدًّا، ولم يبيِّن ما الحدُّ، ولم يكشفه النبيُّ صلعم عنه، ولا استفسره النبيُّ صلعم؛ فدلَّ على أنَّ الكشف عن الحدود لا يحلُّ، وأنَّ الستر أولى. وكأنَّه ◙ رأى أنَّ الكشف عن ذلك ضربٌ من التجسُّس المنهيِّ عنه، فلذلك أضرب عنه وجعلها شبهةً درأ بها الحدَّ؛ لأنَّه كان بالمؤمنين رؤوفًا رحيمًا.
          وجائزٌ أن يكون الرجل ظنَّ أنَّ الذي أصاب حدًّا وليس بحدٍّ فيكون ذلك ممَّا يُكفَّر بالوضوء والصلاة، ولمَّا لم تجز إقامة الحدود بالكناية دون الإفصاح وجب ألَّا يكشف السلطان عليه؛ لأنَّ الحدود لا تقام بالشبهات بل تدرأ بها، وهذا يوجب على المرء أن يستر على نفسه إذا واقع ذنبًا ولا يخبر به أحدًا لعلَّ الله تعالى أن يستره عليه، وقد جاء في هذا الحديث عن النبيِّ صلعم: ((من ستر مسلمًا ستره الله))، فستر المرء على نفسه أولى به من ستره على غيره. والله الموفق.