شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول الله تعالى: {ومن لم يستطع منكم طولًا أن ينكح المحصنات}

          ░35▒ باب قَوْلِ اللهِ تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} إلى قوله: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا على الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ(1)}[النساء:25]{مُسَافِحَاتٍ}: زَوَانٍ، {وَلا مُتَّخِذَاتِ(2) أَخْدَانٍ}[النساء:25]: أَخِلَّاءَ.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ وَزَيْدٌ(3): (أَنَّ النَّبيَّ صلعم سُئِلَ عَنِ الأمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصَنْ، قَالَ: إِن زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا... ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ).
          قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لا أَدْرِي أبَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوِ(4) الرَّابِعَةِ. [خ¦6837] [خ¦6838]
          اختلف العلماء في إحصان الأمة غير ذات الزوج ما هو؟ فقالت طائفةٌ: إحصان الأمة تزويجها، فإذا زنت ولا زوج لها فعليها الأدب، ولا حدَّ عليها. هذا قول ابن عبَّاسٍ وطاوس وقَتادة، وبه قال أبو عبيدٍ.
          وقالت طائفةٌ: إحصان الأمة إسلامها، فإذا كانت الأمة مسلمةً وزنت وجب عليها خمسون جلدةً سواء(5) كانت ذات زوجٍ أو لم تكن. روي هذا القول عن عُمَر بن الخطَّاب في روايةٍ، وهو قول عليٍّ وابن مسعودٍ وابن عمر وأنسٍ والنخعيِّ، وإليه ذهب مالكٌ والليث والأوزاعيُّ والكوفيُّون والشافعيُّ.
          وقال إسماعيل في قولِ من قال: فإذا أحصنَّ: أسلمن، بعدٌ؛ لأنَّ ذكر الإيمان قد تقدَّم لهنَّ في قوله تعالى: {مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}[النساء:25]فيبعد أن يقال: من فتياتكم المؤمنات، فإذا آمنَّ، ويجوز في كلام الناس على بعده في التكرير، وأمر القرآن ينزل على أحسن وجوهه وأبينها.
          وأمَّا قول من قال: فإذا أحصنَّ: تزوَّجن، ولا(6) حدَّ على الأمة حتَّى تزوَّج، فإنَّهم ذهبوا في ذلك إلى ظاهر القرآن، وأحسبهم لم يعلموا هذا الحديث: ((أنَّ النبيَّ صلعم سُئل عن الأمة إذا زنت، ولم تحصن. فقال: اجلدوها)) فالأمر(7) عندنا أنَّ الأمة إذا زنت، وقد أحصنت مجلودةٌ بكتاب الله، وهو قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا على الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}[النساء:25]وإذا زنت قبل أن تحصن مجلودةٌ بحديث رسول الله صلعم المذكور في(8) الباب.
          وإنَّما استوى الإحصان فيها وغير الإحصان _والله أعلم_ لأنَّه جعل عليها إذا زنت نصف ما على الحرائر من العذاب، وكان(9) عذاب الحرائر في الزنا الرجم في موضعٍ، والجلد في موضعٍ فلمَّا جعل على الأمة نصف ما على الحرة من العذاب؛ علمنا أنَّ العذاب الذي يتنصَّف هو الجَلد؛ لأنَّ الجَلد يكون له نصفٌ، والرجم لا يكون له نصفٌ.
          وزعم أهل المقالة الأولى أنَّه لم يقل في هذا الحديث: (وَلَم تُحصَنْ) غير مالكٍ، وليس كما زعموا، وقد رواه يحيى بن سعيدٍ، عن ابن شهابٍ كما رواه مالكٌ، ورواه كذلك أيضًا طائفةٌ عن ابن عيينة عنه(10) عن الزهريِّ، وإذا اتَّفق مالكٌ ويحيى بن سعيدٍ وابن عيينة فهم حجَّةٌ على من خالفهم، وسيأتي ما بقي من معاني هذا الباب بعد هذا إن شاء الله تعالى(11).


[1] في (ت): (({المحصنات....} الآية)).
[2] قوله: ((ولا متخذات)) ليس في (ت).
[3] زاد في (ت): ((ابن ثابت)).
[4] في (ت): ((أم)).
[5] قوله: ((سواء)) ليس في (ت).
[6] في (ت): ((فلا)).
[7] في (ت): ((والأمر)).
[8] زاد في (ت): ((هذا)).
[9] في (ت): ((كان)).
[10] قوله: ((عنه)) ليس في (ت).
[11] في (ت): ((وسيأتي بعد)).