شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما جاء في التعريض

          ░41▒ باب: مَا جَاءَ في التَّعْرِيضِ.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلامًا أَسْوَدَ! فَقَالَ: هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مَا أَلْوَانُهَا؟ قَالَ: حُمْرٌ، قَالَ: هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَنَّى كَانَ(1) ذَلِكَ؟ قَالَ: أُرَاهُ عِرْقٌ نَزَعَهُ، قَالَ: فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ). [خ¦6847]
          اختلف العلماء في هذا الباب. فقالت طائفةٌ: لا حدَّ في التعريض، وإنَّما يجب الحدُّ بالتصريح البيِّن. روي هذا عن ابن مسعودٍ، وقاله(2) القاسم بن محمَّدٍ والشَّعبيُّ، وإليه ذهب الثوريُّ والكوفيُّون والشافعيُّ، إلَّا أنَّ أبا حنيفة والشافعيَّ يوجبان عليه الأدب والزجر ويُنهى عن ذلك(3).
          واحتجَّ الشافعيُّ بحديث هذا الباب، قال: وقد عرَّض بزوجته تعريضًا لا خفاء به، ولم يوجب عليه(4) النبي صلعم حدًّا، وإن كان غلب على(5) السامع أنَّه أراد القذف إذ قد يحتمل قوله وجهًا غير القذف، من التعجُّب والمسألة عن أمره.
          وقالت طائفةٌ: التعريض كالتصريح. روي ذلك عن عُمَر بن الخطَّاب وعثمان بن عفَّان وعروة(6) والزهريِّ وربيعة، وبه قال مالكٌ والأوزاعيُّ.
          قال مالكٌ: وذلك إذا علم أنَّ قائله أراد به قذفًا فعليه الحدُّ، واحتجَّ في ذلك بما روي عن أبي الرجال، عن أمِّه عَمْرة: أنَّ رجلين استبَّا في زمن عُمَر بن الخطَّاب، فقال أحدهم(7) للآخر: والله ما أبي بزانٍ ولا أمِّي بزانيةٍ. فاستشار في ذلك عُمَر بن الخطَّاب، فقال قائلٌ: مدح أباه وأمَّهُ. وقال آخر: قد(8) كان لأبيه وأمِّه مدحٌ غير هذا، نرى أن يجلد الحدَّ، فجلده عمر ثمانين.
          وقال أهل هذه المقالة: لا حجَّة في حديث أبي هريرة؛ لأنَّ الرجل لم يرد قذف امرأته والنقيصة(9) لها، وإنَّما جاء مستفتيًا، فلذلك لم يحدَّه النبيُّ صلعم، وكذلك(10) لم يحدَّ عُوَيْمِر، وأرجأ أمره حتَّى نزل فيه القرآن.
          واحتجَّ الشافعيُّ فقال: لمَّا لم يجعل التعريض بالخطبة في العدَّة بمنزلة التصريح كذلك لا يجعل التعريض في القذف بمنزلة التصريح.
          وقال(11) إسماعيل بن إسحاق: وليس كما ظنَّ، وإنَّما أجيز له التعريض بالنكاح دون التصريح؛ لأنَّ النكاح لا يكون إلَّا من اثنين، فإذا صرَّح بالخطبة وقع عليه الجواب من الآخر بالإيجاب أو الموعد فمنعوا من ذلك، فإذا عرَّض به فهم أنَّ المرأة من حاجته فلم يحتج إلى جوابٍ، والتعريض بالقذف لا يكون إلَّا من واحدٍ، ولا يكون فيه جوابٌ، فهو قاذفٌ من غير أن يجيبه أحدٌ فقام مقام التصريح.


[1] قوله: ((كان)) ليس في (ت).
[2] زاد في (ت): ((ابن)).
[3] قوله: ((وينهى عن ذلك)) ليس في (ت).
[4] قوله: ((عليه)) ليس في (ت).
[5] في (ت): ((وإن كانت على)).
[6] في (ت): ((وغيره)).
[7] في (ت): ((أحدهما)).
[8] في (ت): ((بل)).
[9] في (ز): ((والتقصير)) والمثبت من (ت).
[10] في (ت): ((ولذلك)).
[11] في (ت): ((قال)).