شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: من أصاب ذنبًا دون الحد فأخبر الإمام فلا عقوبة عليه

          ░26▒ باب: مَنْ أَصَابَ ذَنْبًا دُونَ الْحَدِّ فَأَخْبَرَ الإمَامَ فَلا عُقُوبَةَ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ إِذَا جَاءَ مُسْتَفْتِيًا
          قَالَ عَطَاءٌ: لَمْ يُعَاقِبْهُ النَّبيُّ صلعم، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: لَمْ يُعَاقِبِ الذي جَامَعَ في رَمَضَانَ، وَلَمْ يُعَاقِبْ عُمَرُ ☺ صَاحِبَي الظَّبْيِ.
          وفيه عَنْ أبي عُثْمَانَ عَنْ أبي مَسْعُودٍ عَنِ النَّبيِّ صلعم.
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: (أَنَّ رَجُلًا وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ في رَمَضَانَ، فَاسْتَفْتَى رَسُولَ اللهِ صلعم، فَقَالَ: هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لا، قَالَ: هَلْ تَسْتَطِيعُ صِيَامَ شَهْرَيْنِ؟ قَالَ: لا، قَالَ: فَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا). [خ¦6821]
          وفيه: عَائِشَةُ: (أَتَى رَجُلٌ النَّبيَّ صلعم في الْمَسْجِدِ فقَالَ: احْتَرَقْتُ، قَالَ: مِمَّ ذَلكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ بِامْرَأَتِي في رَمَضَانَ، قَالَ لَهُ: تَصَدَّقْ، قَالَ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ، فَجَلَسَ فَأَتَاهُ إِنْسَانٌ يَسُوقُ حِمَارًا وَمَعَهُ طَعَامٌ، فقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لا أَدْرِي مَا هُوَ إلى النَّبيِّ صلعم، فَقَالَ: أَيْنَ الْمُحْتَرِقُ؟ قَالَ: هَا أَنَا ذَا، قَالَ: خُذْ هَذَا، فَتَصَدَّقْ بِهِ) الحديث. [خ¦6822]
          أجمع العلماء أنَّه من أصاب ذنبًا فيه حدٌّ أنَّه لا ترفعه التوبة، ولا يجوز للإمام إذا بلغه العفو عنه. ومن التوبة عندهم أن يطهَّر ويكفَّر بالحدِّ إلَّا الشافعيَّ، ذكر عنه ابن المنذر أنَّه قال: إذا تاب قبل أن يقام عليه الحدُّ سقط عنه، فأمَّا من أصاب ذنبًا دون الحدِّ ثمَّ جاء تائبًا فتوبته تسقط عنه العقوبة، وليس للسلطان الاعتراض عليه بل يؤكِّد بصيرته في التوبة، ويأمره بها لينتشر ذلك، فيتوب المذنب، ألا ترى أنَّ النبيَّ صلعم لمَّا فهم من المواقع أهله في رمضان الندم على فعله من صورة فزعه وقوله: (احْتَرَقتُ)، لم يعاقبه النبيُّ صلعم ولا أنَّبهُ بل أعطاه ما يكفِّر به.
          وأمَّا حديث أبي عثمان عن ابن مسعودٍ الذي أشار إليه البخاريُّ ولم يذكره فهو أبين شيءٍ في هذا الباب، وقد ذكره في أبوابمواقيت الصلاة في باب الصلاة كفَّارةٌ.
          قال ابن مسعودٍ: إنَّ رجلًا أصاب من امرأةٍ قبلةً فأتى النبيَّ صلعم فأخبره فأنزل: {أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}[هود:114]فقال الرجل: إليَّ هذا يا رسول الله؟ قال: ((لجميع أمَّتي كلِّهم)).
          وروى يحيى عن التَّيميِّ بإسناده أنَّ النبيَّ صلعم قال له: ((قم فصلِّ ركعتين)).
          وروى علقمة والأسود هذا الحديث عن ابن مسعودٍ وبيَّنا فيه ما دلَّ أنَّه جاء الرجل تائبًا نادمًا.
          وقال ابن مسعودٍ: جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلعم، فقال: إنِّي عالجت امرأةً فأصبت منها ما دون أن أمسَّها وأنا ها ذا فأقم عليَّ ما شئت. فقال له عمر: قد ستر الله عليك فلو سترت على نفسك....وذكر الحديث
          وحجَّة جماعة الفقهاء في أنَّ التوبة لا تسقط الحدَّ قول النبيِّ صلعم في المرأة الجهينيَّة: (لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أن جادت بنفسها). وقال في الغامدية: ((لقد تابت توبةً لو تابها صاحب مكسٍ لغفر له)). فإقامة النبيِّ صلعم الحدَّ على هاتين مع توبتهما دليلٌ قاطعٌ على أنَّ سقوط الحدِّ بالتوبة إنَّما خصَّ به المحاربون دون غيرهم.