شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب حج النساء

          ░26▒ باب: حَجِّ النِّسَاءِ.
          وَأَذِنَ عُمَرُ لأزْوَاجِ النَّبيِّ صلعم في آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا، فَبَعَثَ مَعَهُنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ.
          فيه: عَائِشَةُ قَالَتْ: (يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نَغْزُو وَنُجَاهِدُ مَعَكُمْ؟ قَالَ: لَكِنَّ أَحْسَنَ الْجِهَادِ وَأَجْمَلَهُ حَجٌّ مَبْرُورٌ، فَلا أَدَعُ الْحَجَّ بَعْدَ إِذْ سَمِعْتُ هَذَا مِن النَّبيِّ ◙). [خ¦1861]
          وفيه: ابْن عَبَّاس: (قَالَ النَّبيُّ ◙: لا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذي مَحْرَمٍ، وَلا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ في جَيْشِ كَذَا وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ، فَقَالَ: اخْرُجْ مَعَهَا). [خ¦1862]
          وفيه: ابْنٌ عَبَّاسٍ: (لَمَّا رَجَعَ الرَّسُولُ صلعم مِنْ حَجَّتِهِ، قَالَ لأمِّ سِنَانٍ: مَا مَنَعَكِ مِنَ الْحَجِّ..؟) الحديث. [خ¦1863]
          قال المُهَلَّب: قوله ◙: (لكنَّ أَفْضَلَ الجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ) يبطل إفك المتشيِّعين وكذب الرَّافضيِّين فيما اختلقوه من الكذب على النَّبيِّ صلعم أنَّه قال لأزواجه في حجَّة الوداع: ((هذه، ثمَّ ظهور الحصر)). وهذا ظاهر الاختلاق، لأنَّه ◙ حَضَّهُنَّ على الحجِّ وبَشَّرَهُنَّ أنَّه أفضل جهادهنَّ، وأذن عمر لهنَّ في الحجِّ، ومسير عثمان وغيره من أئمَّة الهدى معهنَّ حجَّة قاطعة على الإجماع على ما كُذِبَ به على النَّبيِّ صلعم في أمر عائشة والتَّسبُّب إلى عرضها المطهَّر، وكذلك قولهم: ((فتقاتلي عليًّا وأنت له ظالمةٌ؟)) إفكٌ وباطلٌ لا يصحُّ، وأمَّا سفرها إلى مكَّة مع غير ذي محرمٍ منها من النَّسب، فالمسلمون كلُّهم أبناؤها وذوو محارمها بكتاب الله تعالى، كيف وإنَّها كانت تخرج في رفقةٍ مأمونةٍ وخدمةٍ كافيةٍ؟ هذه الحال ترفع تحريج الرَّسول صلعم عن النِّساء المسافرات بغير ذي محرمٍ، كذلك قال مالكٌ والأوزاعيُّ والشَّافعيُّ: / تخرج المرأة في حجَّة الفريضة مع جماعة النِّساء في رفقةٍ مأمونةٍ وإن لم يكن معها محرمٌ، وجمهور العلماء على جواز ذلك، وكان ابن عمر يحجُّ معه نسوةٌ من جيرانه، وهو قول عطاءٍ وسعيد بن جبيرٍ وابن سيرين والحسن البصريِّ، وقال الحسن: المسلم محرمٌ، ولعلَّ بعض من ليس بمحرمٍ أوثق من المحرم.
          وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا تحجُّ المرأة إلَّا مع ذي محرمٍ. وهو قول أحمد وإسحاق وأبي ثور، حملوا نهيه على العموم في كلِّ سفرٍ، وحمله مالكٌ وجمهور الفقهاء على الخصوص، وأنَّ المراد بالنَّهي الأسفار غير الواجبة عليها، واحتجُّوا بعموم قوله تعالى: {وَلِلّهِ على النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}[آل عِمْرَان:97]فدخلت المرأة في عموم هذا الخطاب ولزمها فرض الحجِّ، ولا يجوز أن تُمنع المرأة من الفروض كما لا تمنع من الصَّلاة والصِّيام، ألا ترى أنَّ عليها أن تهاجر من دار الكفر إلى دار الإسلام إذا أسلمت فيه بغير محرمٍ، وكذلك كلُّ واجبٍ عليها أن تخرج فيه، فثبت بهذا أنَّ نهيه ◙ أن تسافر المرأة مع غير ذي محرمٍ أنَّه أراد بذلك سفرًا غير واجبٍ عليها، والله أعلم.
          واتَّفق الفقهاء أَن لْيسَ للرَّجل منع زوجته حجَّة الفريضة، وأنَّها تخرج للحجِّ بغير إذنه، وللشَّافعيِّ قول أنَّها لا تخرج إلَّا بإذنه، وأصحُّ قوليه ما وافق فيه سائر العلماء، وقد أجمعوا أنَّه لا يمنعها من صلاة ولا من صيام، فكذلك الحجُّ.
          وسيأتي في كتاب الجهاد في باب: من اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجَّةً، أنَّ معنى قوله ◙: ((ارجِع فاحجج مع امرأتِكَ)) أنَّه محمول على النَّدب لا على الوجوب. [خ¦3006]