شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا لم يجد الإزار فليلبس السراويل

          ░16▒ باب: إِذَا لَمْ يَجِدِ الإزَارَ فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ.
          فيه: ابْنُ عَبَّاسٍ: (خَطَبَنَا النَّبيُّ صلعم بِعَرَفَاتٍ فَقَالَ: مَنْ لَمْ يَجِدِ الإزَارَ فَلْيَلْبَسِ السَّرَاوِيلَ) الحديث. [خ¦1843]
          أجمعوا أنَّ المحرم إذا وجد إزارًا لم يجز له لبس السَّراويل.
          واختلفوا إذا لم يجد إزارًا، فقال عطاء والثَّوريُّ والشَّافعيُّ وأحمد وإسحاق وأبو ثور: يلبسه ولا شيء عليه. وأخذوا بحديث ابن عبَّاسٍ.
          وقال مالكٌ وأبو حنيفة: عليه الفدية إذا لبسها سواءٌ وجد إزارًا أم لا، إلَّا أنَّه يشقُّها ويتَّزر بها. خَالَفا ظاهر الحديث.
          وقال الطَّحاويُّ: يحتمل قوله ◙: (مَنْ لَمْ يَجِدِ الإزَارَ فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ) على أن يشقَّ السَّراويل فيلبسها كما يلبس الإزار، كما يفعل بالخفَّين يقطعهما أسفل من الكعبين ويلبسهما كما يلبس النَّعلين، فإن كان أريد بالحديث هذا المعنى فلسنا نخالفه بل نقول به، وإنَّما الخلاف في التَّأويل لا في نفس الحديث.
          وأمَّا النَّظر في ذلك فإنَّا رأيناهم لم يختلفوا أنَّ من وجد إزارًا أنَّ لبس السَّراويل غير مباحٍ له، لأنَّ الإحرام قد منعه من ذلك، فأردنا أن نعلم هل يوجب لبس ذلك للضَّرورة كفَّارة أم لا؟ فرأينا الإحرام ينهى عن أشياء قد كانت مباحة منها لبس العمائم والقُمُص والسَّراويلات، وكان من اضطر فوجد الحرَّ يغطِّي رأسه، أو وجد البرد فلبس ثيابه، أنَّه قد فعل ما هو مباحٌ له وعليه مع ذلك الكفَّارة، وكذلك حرَّم عليه الإحرامُ حلقَ رأسِه إلَّا من ضرورةٍ، وقد وجدنا من حلق رأسه للضَّرورة فعل ما هو مباحٌ له والكفَّارة عليه واجبةٌ، فكذلك لبس السَراويل لا يُسقط لباسُه للضَّرورة الكفَّارة، وإنَّما تسقط الآثام خاصَّةً.
          قال ابن القصَّار: واحتجَّ المخالفون فقالوا: لا يخلو أن يكون أراد ◙ جواز لبس السَّراويل عند الحاجة أو سقوط الفدية في لبسه، فلا يجوز أن يكون أراد جواز لبسه عند الحاجة خاصَّةً، وقصد ذلك باستثناء السَّراويل من جملة المخيط، لأنَّ لبس السَّراويل لا تختصُّ بذلك دون سائر المخيط عند الحاجة، وحملُه على ذلك إسقاطٌ لفائدة تخصيص السَّراويل واستثنائِه من الجملة، فلم يبق إلَّا أنَّه أراد سقوط الفدية في لبسه.
          فقال لهم الآخرون: إنَّما اختصَّ السَّراويل بالإباحة من جملة المخيط عند عدم الإزار، لأنَّ الإزار المقصود منه ستر العورة التي هي مكان السَّراويل، ولا يجوز كشف ذلك الموضع، وموضع القميص من أعلاه يجوز كشفه، فالضَّرورة في السَّراويل أشدُّ منها في القميص، فهذه فائدة، فإذا لبسه ستر عورته وبقي سائر جسده مكشوفًا بحكم الإحرام، فلم تسقط الفدية كما لم تسقط في الحلق والطِّيب للعذر.