شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا رأى المحرمون صيدًا فضحكوا ففطن الحلال

          ░3▒ باب: إِذَا رَأَى الْمُحْرِمُونَ صَيْدًا فَضَحِكُوا فَفَطِنَ الْحَلالُ.
          فيه: أَبُو قَتَادَةَ قَالَ: (انْطَلَقْنَا مَعَ النَّبيِّ صلعم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ، وَلَمْ أُحْرِمْ، فَأُنْبِئْنَا بِعَدُوٍّ بِغَيْقَةَ، فَتَوَجَّهْنَا نَحْوَهُمْ، فَنَظُرَ أَصْحَابِي بِحِمَارِ وَحْشٍ، فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَضْحَكُ إلى بَعْضٍ، فَنَظَرْتُ فَرَأَيْتُهُ، فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ الْفَرَسَ، فَطَعَنْتُهُ، فَأَثْبَتُّهُ، فَاسْتَعَنْتُهُمْ، فَأَبَوْا) الحديث. [خ¦1822]
          وترجم له: بَاب لا يُعِينُ الْمُحْرِمُ الْحَلالَ في قَتْلِ الصَّيْدِ، وقال فيه: (كُنَّا مَعَ النَّبيِّ صلعم بِالْقَاحَةِ، وَمِنَّا غَيْرُ الْمُحْرِمِ، فَرَأَيْتُ أَصْحَابِي يَتَرَاءَوْنَ شَيْئًا، فَنَظَرْتُ فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ، فوَقَعَ سَوْطُهُ، فَقَالُوا: لا نُعِينُكَ عَلَيهِ) الحديث.
          وترجم له: باب لا يُشِيرُ الْمُحْرِمُ إلى الصَّيْدِ لِكَيْ يَصْطَادَهُ الْحَلالُ، /
          وقال فيه:
          (فَقَالَ النَّبيُّ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَر أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا، أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا؟ قَالُوا: لا، قَالَ: كُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا).
          قال المُهَلَّب: إنَّما لم يجعل النَّبيُّ صلعم ضحك المحرمين بعضهم إلى بعض دلالة على الصَّيد وأباح لهم أكله لأنَّ ضحك المحرم إلى المحرم مثله، ممَّا لا يحلُّ له الصَّيد، لا حرج فيه، وإن كان قد آل إلى أن تَنَبَّه عليه أبو قَتادة، فلم يكن أبو قَتادة عندهم ممَّن خرج يقتنص صيدًا، فلذلك لم يجب عليهم جزاء، ولا حرَّم عليهم أكله.
          وأمَّا إن أشار محرم على قانص أو طالبٍ له أو أغراه به أو أعطاه سلاحًا، أو أَعَانَهُ برأي، فيكره له أكله، لقول الرَّسول صلعم في حديث أبي قَتادة (أمِنْكُمْ أَحَدٌ أَمَر أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا، أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا؟ قَالُوا: لا، قَالَ: كُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا). وفي ذلك دليل أنَّه لا يحرم عليهم بما سوى ذلك، ودلَّ ذلك على أنَّ معنى قوله ◙ في حديث عَمرو مولى المطَّلب: (أو يُصَد لكُم) أنَّه على ما صِيدَ لهم بأمرهم.
          وقال غيره: وهذا يدلُّ أنَّ المحرم إذا أعان الحلال على الصَّيد بما قلَّ أو كثر فقد فعل ما لا يجوز له، واختلفوا في ذلك، فقالت طائفة: إن دلَّ محرم حلالًا على صيد، أو أشار إليه، أو ناوله سيفًا أو شبهه حتَّى قتله، فعلى المحرم الدَّالِّ أو المعين له الجزاء، روي ذلك عن عليٍّ وابن عبَّاس، وقال به عطاء، وإليه ذهب الكوفيُّون وأحمد وإسحاق، واحتجَّ بقوله ◙: (هَلْ أَشَرتُم أَوْ أَعَنْتُم؟ قَالُوا: لا) فدلَّ ذلك أنَّه إنَّما يحرم عليهم إذا فعلوا شيئًا من هذا، ولا يحرم عليهم بما سوى ذلك، فجعل المشاورة والمعاونة كالقتل، لأنَّ الدَّلالة بسببٍ يُتوصَّل به إلى إتلاف الصَّيد، فوجب الجزاء، دليله: من نصب شبكه حتَّى وقع فيها صيد فمات.
          وقال مالك وابن الماجِشون والشَّافعيُّ وأبو ثور: لا جزاء على الدَّالِّ. وهو قول أصبغ بن الفرج، واحتجَّ أهل هذه المقالة فقالوا: الدَّالُّ ليس بمباشر للقتل، وقد اتَّفقنا أنَّه لو دَلَّ حلال حلالًا على قتل صيد في الحرم لم يكن على الدَّال جزاء، لأنَّه لم يحصل منه قتل الصَّيد، فكذلك هاهنا، وقد تقرَّر أنَّه لو دلَّ على رجل مسلم فقتله المدلول، لم يجب على الدَّالِّ ضمانٌ، وحُرمة المسلم أعظم من حرمة الصَّيد، ولا حجَّة للكوفيِّين في حديث أبي قَتادة، لأنَّه إنَّما سألهم عن الإشارة والمعاونة، دلَّ أنَّه يكره لهم أكله، أو يحرم عليهم، ولم يتعرَّض لذكر الجزاء، فمن أثبت الجزاء فعليه الدَّليل.
          وأيضًا فإن القاتل انفرد بقتله بعد الدَّلالة بإرادته واختياره مع كون الدَّالِّ منفصلًا عنه، فلا يلزمه ضمان، وهذا كمن دلَّ محرمًا أو صائمًا على امرأة فوطئها، ومحظورات الإحرام لا تجب فيها الكفَّارات بالدَّلالة، كمن دلَّ على طيب أو لباس.