شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب لبس الخفين للمحرم إذا لم يجد النعلين

          ░15▒ باب: لُبْسِ الْخُفَّيْنِ لِلْمُحْرِمِ إِذَا لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ.
          فيه: ابْنُ عَبَّاسٍ: (خَطبَ النَّبيُّ صلعم بِعَرَفَاتٍ فَقَالَ: مَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ) الحديث. [خ¦1841]
          وفيه: ابْنُ عُمرَ حديثُ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ... إلى قوله: (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ). [خ¦1842]
          اختلفوا إذا احتاج إلى لبس الخفَّين عند عدم النَّعلين وقطعهما. فقال مالكٌ والشَّافعيُّ: لا فدية عليه، وأخذا بحديث ابن عمر، وقال أبو حنيفة: عليه الفدية. وهذا مخالفٌ للحديث، واحتجَّ أصحابه وقالوا: إنَّ النَّبيَّ صلعم أباح له لباس السَّراويل عند عدم الإزار، وذلك يوجب فيه الفدية.
          فقال ابن القصَّار: الفرق بينهما أنَّ الخف أُمِرَ بقطعه حتَّى يصير في معنى النَّعلين التي لا فدية في لبسهما، والسَّراويل لم يؤمر بفتقه لئلَّا تنكشف عورته، فبقي في حكم القميص المخيط، ولو أمر بفتقه لصار في معنى الخفِّ إذا قطع.
          قال ابن القصَّار: والحجَّة لمالكٍ قوله ◙: (وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ) ولو وجبت الفدية مع قطعهما وتركهما لم يكن لقطعهما فائدةٌ، لأنَّه إتلافٌ من غير فائدةٍ، وإنَّما قطعهما ليصيرا في معنى النَّعلين حتَّى لا تجب فديةٌ، ولا يدخل النَّقص فيجبر بالفدية، ولو وجبت الفدية بلبسه بعد القطع كما تجب بلبسه قبل القطع لم يأمر ◙ بالقطع، لأنَّ لبسه بعد القطع كلبسه قبله، فلمَّا جَوَّز له لبسه بعد القطع ولم يجوِّزه قبله علم أنَّه إذا لبسه بعد القطع كان مخالفًا لحكمه إذا لبسه قبل القطع في الفدية.