شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا أحرم جاهلًا وعليه قميص

          ░19▒ باب: مَنْ أَحْرَمَ جَاهِلًا وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ.
          وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا فَلا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.
          فيه: يَعْلَى: (أتَى النَّبيَّ صلعم رَجُلٌ عَلَيْهِ جُبَّةٌ، وبهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ، فَقَالَ: انِزِعِ الجُبَّةَ، واصْنَعْ في عُمْرَتِكَ مَا تَصْنَعُ في حَجِّكَ). [خ¦1847] [خ¦1848]
          هذا الباب ردٌّ على الكوفيِّ والمزنيِّ في قولهم أنَّه من لبس أو تطيَّب ناسيًا فعليه الفدية على كلِّ حالٍ، وقولهم خلافٌ لهذا الحديث، لأنَّ الرَّسول صلعم لم يأمر الرَّجل بالكفَّارة عن لباسه وتطيبه قبل علمه بالنَّهي عن ذلك، وإنَّما تلزم الكفَّارة من تعمَّد فعل ما نُهي عنه في إحرامه، ولو لزمه شيءٌ لبيَّنه له ◙، وأمره به ولم يجز أن يؤخِّر ذلك.
          وذهب مالكٌ إلى أنَّ من تطيَّب أو لبس فنزع اللِّباس وغسل الطِّيب في الحال فلا شيء عليه.
          وقال الشَّافعيُّ: لا شيء عليه وإن طال وانتفع. والشَّافعيُّ أشدُّ موافقةً للحديث، لأنَّ الرَّجل كان أحرم في الجبَّة المطيَّبة، فسأل الرَّسول صلعم عن ذلك فلم يجبه حتَّى أوحي إليه وسُرِّي عنه، وطال انتفاع الرَّجل باللُّبس والطِّيب ولم يوجب عليه النَّبيُّ صلعم كفَّارةً، وقول مالكٍ احتياطٌ، لأنَّ الحلق والوطء والصَّيد نُهي عنه المحرم، وحُكْمُ العمد والسَّهو فيها سواء إذا وقعت، وكذلك الصَّوم لو أكل فيه وهو ساهٍ(1) لفسد الصَّوم، فكذلك الحجُّ.
          وفي هذا الحديث ردٌّ على من زعم أنَّ الرَّجل إذا أحرم وعليه قميصٌ أنَّ له أن يشقَّه، وقال: لا ينبغي أن ينزعه، لأنَّه إذا فعل ذلك فقد غطَّى رأسه وذلك لا يجوز له، فلذلك أُمر بشقِّه، وممَّن قال هذا: الحسن والشَّعبيُّ والنَّخعيُّ وسعيد بن جبيرٍ. وجميع فقهاء الأمصار يقولون: من نسي فأحرم وعليه قميص أنَّه ينزعه ولا يشقُّه. واحتجُّوا بأن الرَّسول صلعم أمر الرَّجل بأن ينزع الجبَّة ولم يأمره بشقِّها، وهو قول عِكْرِمَة وعطاء. وقد ثبت عنه ◙ أنَّه نهى عن إضاعة المال، والحجَّة في السُّنَّة لا فيما خالفها.
          قال الطَّحاويُّ: وليس نزع القميص بمنزلة اللِّباس، لأنَّ المحرم لو حمل على رأسه ثيابًا أو غيرها لم يكن بذلك بأسٌ ولم يدخل بذلك فيما نهي عنه من تغطية الرَّأس بالقلانس وشبهها، لأنَّه غير لابسٍ، فكان النَّهي إنَّما وقع من ذلك على ما يلبسه الرَّأس لا على ما يغطَّى به، وكذلك الأبدان إنَّما(2) نُهي عن إلباسها القمص ولم يُنه عن تجليلها بالإزار، لأنَّ ذلك ليس بلباس المخيط، ومن نزع قميصه فَلاقَى ذلك رأسه فليس ذلك بإلباس منه شيئًا، فثبت بهذا أنَّ النَّهي عن تغطية الرَّأس في الإحرام المعهود في الإحلال إذا تعمَّد فعل ما نهي عنه من ذلك قياسًا ونظرًا.


[1] في (ص): ((وهو ساهيًا)) والمثبت من المطبوع.
[2] صورتها في (ص): ((إن)) والمثبت من المطبوع.