شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة

          ░13▒ بَاب: مَا يُنْهَى مِنَ الطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ.
          وَقَالَتْ عَائِشَةُ: لا تَلْبَسِ الْمُحْرِمَةُ ثَوْبًا بِوَرْسٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ.
          فيه: ابْنُ عُمَرَ، قَالَ رَجُلٌ: (مَاذَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَلْبَسَ مِنَ الثِّيَابِ. فَقَالَ النَّبيُّ ◙: لا تَلْبَسُوا الْقَمِيصَ، وَلا السَّرَاوِيلاتِ) إلى قوله: (وَلا تَلْبَسُوا شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ وَلا وَرْسُ) الحديث. [خ¦1838]
          وفيه: ابْنُ عَبَّاسٍ: (وَقَصَتْ بِرَجُلٍ مُحْرِمٍ نَاقَتُهُ، فَقَتَلَتْهُ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبيُّ صلعم فَقَالَ: اغْسِلُوهُ، وَكَفِّنُوهُ، وَلا تُغَطُّوا رَأْسَهُ، وَلا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَومَ القِيَامَةِ يُهِلُّ). [خ¦1839]
          قال الطَّحاويُّ: ذهب قومٌ إلى هذه الآثار، فقالوا: كلُّ ثوبٍ / مسَّه ورسٌ أو زعفرانٌ، فلا يحلُّ لبسه في الإحرام، وإن غُسِل، لأنَّ الرَّسول صلعم لم يبيِّن في هذه الآثار ما غُسِل في ذلك ممَّا لم يُغسَل. وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: ما غُسِل من ذلك حتَّى لا ينفض فلا بأس بلبسه في الإحرام، لأنَّ الثَّوب الذي صُبغ إنَّما نهي عن لبسه في حال الإحرام لما كان دخله ممَّا هو حرامٌ على المحرم، فإذا غسل وذهب ذلك المعنى منه عاد الثَّوب إلى أصله الأوَّل، كالثَّوب الذي تصيبه النَّجاسة، فإذا طهر حلَّت الصَّلاة فيه.
          قال ابن المنذر: وممَّن رخَّص في ذلك: سعيد بن المسيِّب والنَّخعيُّ والحسن البصريُّ وعطاءٌ وطاوس، وبه قال الكوفيُّون والشَّافعيُّ وأبو ثور، وكان مالكٌ يكره ذلك إلَا أن يكون غُسِل وذهب لونه.
          قال الطَّحاويُّ: وقد روي عن الرَّسول صلعم أنَّه استثناه مِمَّا حرَّمه على المحرم من ذلك فقال: (إلَّا أن يكونَ غَسِيلًا) حدَّثناه فهدٌ حدَّثنا يحيى بن عبد الحميد، حدَّثنا أبو معاوية وحدَّثنا(1) ابن أبي عِمْرَان، حدَّثنا عبد الرَّحمن بن صالح الأزديُّ، عن أبي معاوية، عن عبيد الله، عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن النَّبيِّ صلعم بمثل حديثه الذي في الباب، فثبت بهذا استثناء الغسيل ممَّا قد مسَّه ورسٌ أو زعفرانٌ.
          قال ابن أبي عِمْرَان: رأيت يحيى بن معينٍ يتعجَّب من الحِمَّانيِّ إذ حدَّث بهذا الحديث. وقال عبد الرَّحمن بن صالحٍ: هذا عندي. فوثب من فَوْرِه، فجاء بأصله، فأخرج منه هذا الحديث عن أبي معاوية كما ذكره الحِمَّانيُّ فكتبه عنه يحيى بن معينٍ.


[1] في (ص): ((حدثنا)) والمثبت من المطبوع.