شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الحجامة للمحرم

          ░11▒ باب: الْحِجَامَةِ لِلْمُحْرِمِ.
          وَكَوَى ابْنُ عُمَرَ ابْنَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَيَتَدَاوَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِيبٌ.
          فيه: ابْنُ عَبَّاسٍ: (احْتَجَمَ النَّبيُّ صلعم وَهُوَ مُحْرِمٌ). [خ¦1835]
          وفيه: ابْنُ بُحَيْنَةَ قَالَ: (احْتَجَمَ النَّبيُّ صلعم وَهُوَ مُحْرِمٌ، بِلَحْيِ جَمَلٍ في وَسَطِ رَأْسِهِ). [خ¦1836]
          قوله: (بِلَحْيِ جَمَلٍ) هو مكان بطريق مكَّة، واختلف العلماء في الحجامة للمحرم، فرخَّص فيها عطاء ومسروق وإبراهيم وطاوس والشَّعبيُّ، وهو قول الثَّوريِّ والشَّافعيِّ وأحمد وإسحاق، وأخذوا بظاهر هذا الحديث، وقالوا: ما لم يقطع الشَّعر.
          وقال قوم: لا يحتجم المحرم إلَّا من ضرورةٍ. روي ذلك عن ابن عمر، وبه قال مالك، وحجَّة هذا القول أنَّ بعض الرُّواة يقول: إنَّ النَّبيَّ صلعم احتجم لضررٍ كان به، رواه هشام بن حسَّان عن عِكْرِمَة، عن ابن عبَّاسٍ: ((أنَّ النَّبيَّ صلعم إنَّما احتجم وهو محرمٌ في رأسِه لأذًى كانَ بهِ)). ورواه حميد الطَّويل، عن أنسٍ قال: ((احتجمَ رسولُ الله مِنْ وجعٍ كانَ بهِ)) ولا خلاف بين العلماء أنَّه لا يجوز له حلق شيء من شعر رأسه حتَّى يرمي جمرة العقبة يوم النَّحر إلَّا من ضرورةٍ، وأنَّه إن حلقه من ضرورةٍ فعليه الفدية التي قضى بها رسول الله على كعب بن عُجرَة، وإن لم يحلق المحتجم شعرًا فهو كالعرق يقطعه، أو الدَّمل يَبطَّه، أو القرحة ينكأها، ولا يضرُّه ذلك، ولا شيء عليه فيه عند جماعة العلماء.
          وقال الطَّبريُّ: فيه من الفقه الإبانة أنَّ للمحرم إذا احتاج إلى إخراج دمه الاحتجامَ والفصدَ ما لم يقطع شعرًا، وأنَّ له العلاج لكلِّ ما عرض له من علَّة في جسده بما رجى دفع مكروهها عنه من الأدوية بَعْدَ ألَّا يأتي في ذلك ما هو محظورٌ عليه في حال إحرامه، ثمَّ لا يلزمه بكلِّ ما فعل من ذلك فديةٌ ولا كفَّارةٌ، وكذلك له بَطُّ دملٍ وقلع ضرسٍ إن اشتكاه، لأنَّ النَّبيَّ صلعم احتجم في حال إحرامه لحاجته إلى ذلك، ثمَّ لم يَنقل عنه ناقلٌ أنَّه حظر ذلك على أحدٍ من أمَّته ولا أنَّه افتدى، فبان بذلك أنَّ كلَّ ما كان نظير الحجامة التي هي إخراج الدَّم من جسده فله فعله، ونظير ذلك بطُّ الحدسِ، وقلع الضِّرسِ، وفصد العِرْق، وقطع الظُّفُر الذي انقطع فتعلَّق فآذى صاحبه أنَّ على المحرم قلعه، ولا يلزمه لذلك كفَّارة ولا فدية.
          وقال ابن المنذر: أجمعوا أنَّ للمحرم أن يزيل عن نفسه ما انكسر من أظفاره، وأجمعوا أنَّه ممنوعٌ من أخذ أظفاره، وذكر عن الكوفيِّين أنَّ المحرم إذا أصابه في أظافيره أذًى فقصَّها يكفِّر بأيِّ الكفَّارات شاء. وقال أبو ثور: فيها قولان: أحدهما: قول الكوفيِّين، والثَّاني: لا شيء عليه، بمنزلة الظُّفُر ينكسر.
          وقال ابن القاسم: لا شيء عليه إذا أراد أن يداوي قرحة فلم يقدر على ذلك إلَّا أن يقلم أظفاره. وقال ابن عبَّاس: إذا وجعه ضرسه ينزعه، فإنَّ الله لا يصنع بأذاكم(1)، وكذلك إذا انكسر ظفره، وقاله عطاء وإبراهيم وسعيد بن المسيِّب، وقال عطاء: ينتقش الشَّوكة من رجله ويداوي جرحه. وقال عطاء: إن أصابته شجَّة فلا بأس أن يأخذ ما حولها من الشَّعر، ثمَّ يداويها بما ليس فيه طيبٌ.


[1] زاد في «التوضيح» (12/414): ((شيئًا)) وهو الوجه.