عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما}
  
              

          ░23▒ (ص) بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}[النِّسَاء:10].
          (ش) أَي: هذا باب فِي بيان حال أكلة أموالِ اليتامى فِي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ} الآية، وهذا تهديدٌ فِي أكلِ أموال اليتامى ظلمًا، والمعنى: الَّذِينَ يأكلون أموال اليتامى مِن حَيْثُ الظلم إِنَّما يأكلون فِي بطونهم نارًا تتأجَّج فيها يوم القيامة، وتُملأ بها بطونهم عيانًا، قال الداوديُّ: وهذه الآية أشدُّ ما فِي القرآن على المؤمنين؛ لأنَّها خبرٌ إلَّا أن يريد مستحلِّين.
          قَوْلُهُ: ({وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}) مأخوذ من الصَّلا والصِّلا والاصْطِلاء بالنار، وذَلِكَ التسخُّن بها، ثُمَّ استُعمِلَ فِي كلِّ مَن باشر شدَّةَ أمرٍ مِنَ الأمور مِن حَرْب أو قتالٍ أو غير ذَلِكَ، وقراءة عامَّة أهل المدينة والعراق: {سَيَصْلَوْنَ} على بناءِ المعلوم، وقرأ بعض الكوفيِّين وبعض المكِّيِّين على بناءِ المجهول؛ يعني: يُحرَقون، مِن قولهم شاةً مَصْلِيَّة؛ يعني: مَشويَّة، و(السَّعير) شدَّة حرِّ جهنَّم، وتقدير الكلام: وسَيَصْلَون نَارًا مَسْعُورَةً؛ أَي: موقدةً مُشعلةً شديدًا حرُّها، وقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتم: حَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا عَبْدة: أخبرنا أَبُو عبد الصمد عَبْد الْعَزِيزِ بن عبد الصمد العمِّيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو هارون العَبْدِيُّ عن أَبِي سَعِيدٍ الخُدْريِّ قال: قلنا: يا رَسُول الله؛ مَا رَأَيْتَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِكَ؟ قالَ: «انْطُلِقَ بِي إِلَى خَلْقٍ مِنْ خَلْقِ اللهِ كَثِيرُ رِجَالٍ، كُلُّ رَجٌلٍ لَهُ مِشْفَرَانِ كَمِشْفَرِ الْبَعِيرِ، وُهُوَ مُوكَلٌ بِهِمْ، رِجَالٌ يَفُكُّونَ لِحْيَ أحَدِهِمْ، ثُمَّ يُجَاءُ بِصَخْرَةٍ مِنْ نَارٍ، فَتُقْذَفُ فِي فِيِ أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ أَسْفَلِهِ وَلَهُ جُؤَارٌ وَصُرَاخٌ، قُلْت: يَا جِبْرَائِيل؛ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا...} الآية»، وقال السُّدِّيُّ: يُبعث آكلُ مالِ اليتيمِ يوم القيامة ولهبُ النار يخرج مِن فيه، ومِن مسامعه وأنفه وعينيه، يَعرفُه مَن رآه يأكل مال اليتيم، وعن زيد بن أسلم عن أبيه قال: هذه لأهل الشرك حين كانوا لا يورِّثونهم، ويأكلون أموالهم.