-
خطبة الشارح
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
كتاب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
كتاب مواقيت الصلاة
-
كتاب الأذان
-
أبواب صفة الصلاة
-
كتاب الجمعة
-
أبواب صلاة الخوف
-
كتاب العيدين
-
كتاب الوتر
-
كتاب الاستسقاء
-
كتاب الكسوف
-
أبواب سجود القرآن
-
أبواب تقصير الصلاة
-
أبواب التهجد
-
أبواب التطوع
-
كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
أبواب العمل في الصلاة
-
أبواب السهو
-
كتاب الجنائز
-
كتاب الزكاة
-
أبواب صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
أبواب العمرة
-
أبواب المحصر
-
باب جزاء الصيد
-
باب فضائل المدينة
-
كتاب الصوم
-
كتاب صلاة التراويح
-
كتاب الاعتكاف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارة
-
كتاب الحوالة
-
كتاب الكفالة
-
كتاب الوكالة
-
كتاب المزارعة
-
كتاب المساقاة
-
كتاب الاستقراض
-
كتاب الخصومات
-
كتاب في اللقطة
-
كتاب المظالم
-
كتاب الشركة
-
كتاب الرهن
-
كتاب العتق
-
كتاب المكاتب
-
كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
باب قول النبي وصية الرجل مكتوبة عنده
-
باب: أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس
-
باب الوصية بالثلث
-
باب قول الموصي لوصيه: تعاهد ولدي وما يجوز للوصي
-
باب: إذا أومأ المريض برأسه إشارة بينة جازت
-
باب: لا وصية لوارث
-
باب الصدقة عند الموت
-
باب قول الله تعالى: {من بعد وصية يوصى بها أو دين}
-
باب تأويل قول الله تعالى {من بعد وصية يوصى بها أو دين}
-
باب: إذا وقف أو أوصى لأقاربه ومن الأقارب
-
باب: هل يدخل النساء والولد في الأقارب
-
باب: هل ينتفع الواقف بوقفه؟
-
باب: إذا وقف شيئا فلم يدفعه إلى غيره فهو جائز
-
باب: إذا قال: داري صدقة لله ولم يبين للفقراء أو غيرهم
-
باب: إذا قال أرضي أو بستاني صدقة عن أمي فهو جائز
-
باب: إذا تصدق أو أوقف بعض ماله أو بعض رقيقه أو دوابه فهو جائز
-
باب من تصدق إلى وكيله ثم رد الوكيل إليه
-
باب قول الله تعالى: {وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى}
-
باب ما يستحب لمن يتوفى فجأة أن يتصدقوا عنه
-
باب الإشهاد في الوقف والصدقة
-
باب قول الله تعالى: {وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا}
-
باب قول الله تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح}
-
باب قول الله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما}
-
باب قول الله تعالى: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير}
-
باب استخدام اليتيم في السفر والحضر إذا كان صلاحا له
-
باب: إذا وقف أرضا ولم يبين الحدود فهو جائز
-
باب: إذا أوقف جماعة أرضا مشاعا فهو جائز
-
باب الوقف كيف يكتب؟
-
باب الوقف للغني والفقير والضيف
-
باب وقف الأرض للمسجد
-
باب وقف الدواب والكراع والعروض والصامت
-
باب نفقة القيم للوقف
-
باب: إذا وقف أرضا أو بئرا واشترط لنفسه مثل دلاء المسلمين
-
باب: إذا قال الواقف لا نطلب ثمنه إلا إلى الله فهو جائز
-
باب قول الله ╡ : {يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم}
-
باب قضاء الوصي دين الميت بغير محضر من الورثة
-
باب قول النبي وصية الرجل مكتوبة عنده
-
كتاب الجهاد والسير
-
كتاب الخمس
-
كتاب الجزية والموادعة
-
كتاب بدء الخلق
-
كتاب أحاديث الأنبياء
-
كتاب المناقب
-
كتاب فضائل الصحابة
-
كتاب مناقب الأنصار
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
كتاب فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الطلاق
-
كتاب العدة
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
كتاب المرضى
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
كتاب الرقاق
-
كتاب القدر
-
كتاب الأيمان والنذور
-
كتاب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
كتاب الحيل
-
كتاب التعبير
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
كتاب التمني
-
كتاب أخبار الآحاد
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
░8▒ (ص) بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}[النساء:22].
(ش) أَي: هَذَا بابٌ فِي بيانِ المراد مِن قول الله تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ} وكأنَّ غرض البُخَاريِّ بِهَذِهِ الترجمة الاحتجاج إلى جوازِ إقرار المريض بالدَّين مطلقًا، سواء كان المقرُّ له وارثًا أو أجنبيًّا، وقال بعضهم: وجه الدلالة أنَّهُ سبحانه وتَعَالَى سوَّى بين الْوَصِيَّة والدَّين فِي تقديمهما على الميراث، ولم يفصل فخرجت الْوَصِيَّة للوارث بالدليل، وبقي الإقرار بالدَّين على حاله انتهى.
قُلْت: كما خرجت الْوَصِيَّة للوارث للدليل، وهو قوله صلعم : «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» فكذلك خَرَجَ الإقرار بالدَّين للوارث بِقَوْلِهِ: «وَلَا إِقْرَارَ لَهُ بِدَيْنٍ» وقد تَقَدَّمَ.
وقوله: ({مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ}) قطعةٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ الله فِي أَوْلَادِكُمْ} إلى قوله: {إِنَّ الله كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} هَذِهِ الآية والَّتي بعدها، وهو قوله: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجَكُمْ} إلى قوله: {وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[النساء:26]، والآية الَّتي هي خاتمة هَذِهِ السورة _أعني: (سورة النساء) _ وهو قوله: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ الله يُفْتِيكُمْ...} إلى آخر الآية[النساء:176]، آياتُ علم الفرائض، وهو مستنبطٌ مِن هَذِهِ الآيات، ومِنَ الأحاديث الواردة فِي ذلك مِمَّا هي كالتَّفْسِير لذلك.
(ص) وَيُذْكَرُ أَنَّ شُرَيْحًا، وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَطَاوُوسًا، وَعَطَاءً، وَابْنَ أُذَيْنَةَ أَجَازُوا إِقْرَارَ الْمَرِيضِ بِدَيْنٍ.
(ش) ذكر عنهم ما ذكره بصيغة التمريض؛ لأَنَّهُ لم يجزم صحَّة النقل عنهم لضعف الإسناد إلى بعضهم، بيانه أنَّ أثر شُرَيْحٍ ذكره ابن أبي شَيْبَةَ عنه بلفظ: إذا أقر فِي مرضٍ لوارثٍ بدَينٍ لم يجز إلَّا ببيَّنة، وإذا أقرَّ لوارثٍ جاز، وفي إسناده جابرٌ الجُعْفِيُّ وهو ضعيف، وكذلك أخرج أثر طَاوُوس بلفظ: إذا أقرَّ لوارثٍ جاز، وفي إسناده لَيْث بن أَبِي سُلَيْمٍ وهو ضعيف، وكذلك أثر عَطَاءٍ أَخْرَجَهُ ابن أبي / شَيْبَةَ بمثله، وكذلك أثر ابن أُذَيْنَة أَخْرَجَهُ ابن أبي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيق قَتَادَة عنه بلفظ: فِي الرجل يقرُّ لوارثٍ بدين، قال: يجوز، وابن أُذَيْنَة؛ بِضَمِّ الهمزة وفتح الذال الْمُعْجَمة وسكون الياء آخر الحروف وبالنون، واسمه عَبْد الرَّحْمَن، قاضي البصرة، مِنَ التَّابِعينَ الثقات، مات سنة خمسٍ وتسعين مِنَ الهجرة.
(ص) وَقَالَ الْحَسَنُ: أَحَقُّ مَا يُصَدَّقُ بِهِ الرَّجُلُ آخِرَ يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَوَّلَ يَوْمٍ مِنَ الآخِرَةِ.
(ش) (الْحَسَنُ) هو البَصْريُّ، وأثره رواه الدارميُّ في «مسنده» مِنْ طَرِيق قَتَادَة قال: قال ابن سِيرِينَ: لا يجوز إقرارٌ لوارث، قال: وقال الْحَسَن: أحقُّ ما جاز عليه عِنْدَ موته أَوَّل يوم مِن أيَّام الآخرة، وآخر يوم مِن أيَّام الدنيا.
قوله: (مَا يُصَدَّقُ) على صيغة المجهول مِنَ التَّصْدِيق، ويروى: (مَا تَصَدَّقَ) على وزن (تَفَعَّلَ) على صيغة الماضي مِنَ التَّصَدُّق، وقَالَ الكَرْمَانِيُّ: «آخِرَُ» بالنصب وبالرفع؛ أَي: أحقَّ زمان يُصَدَّق فيه الرجل فِي أحواله آخِر عُمْره، والمقصود: أنَّ إِقرار المريض فِي مرضِ موته حقيقٌ بأن يُصدَّق به، ويحكم بإنفاذه.
قُلْت: وجه النصب بتقدير: فِي آخر يوم، ووجه الرفع على أنَّهُ خَبَر لِقَوْلِهِ: (أَحَقُّ).
(ص) وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ وَالْحَكَمُ: إِذَا أَبْرَأَ الْوَارِثَ مِنَ الدَّيْنِ بَرِئَ.
(ش) (إِبْرَاهِيمُ) هو النَّخَعِيُّ، و(الْحَكَمُ) بِفَتْحَتَيْنِ: ابن عُتَيْبَة.
وَهَذَا التعليق وصله ابن أبي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيق الثَّوْريِّ عَنِ ابْنِ أبي ليلى عَنِ الحكم عن إِبْرَاهِيم فِي المريض إذا أبرأ الوارثَ مِنَ الدين بَرِئ، وعن مُطَرِّف عن الحكم قال مثله.
قوله: (إِذَا أَبْرَأَ) أَي: المريضُ مرضَ الموت وارثَه مِنَ الدَّين الَّذِي عليه بَرِئ الوارثُ.
(ص) وَأَوْصَى رَافِعُ بن خَدِيجٍ أَلَّا تُكْشَفَ امْرَأَتُهُ الْفَزَارِيَّةُ عَمَّا أُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابُهَا.
(ش) (رَافِعُ بن خَدِيجٍ) ابن رافعٍ، الأوسيُّ الأَنْصَارِيُّ الْحَارِثيُّ، أبو عَبْد الله، شهد أُحُدًا والخندق، و(خَدِيج) بِفَتْحِ الخاء الْمُعْجَمة وكَسْرِ الدال الْمُهْمَلة وفي آخره جيم.
قوله: (الفَزَارِيَّة) بِفَتْحِ الفاء وتخفيف الزاي وبالراء.
قوله: (عَمَّا أُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابَهَا) وفي رِوَايَة المُسْتَمْلِي والسرخسيِّ: <عن مال أُغلق عليه بابها>، ويروى: <أُغْلق عليها>، ويروى: <أَغْلَقَت عليه بابها>، و(أَغْلَقَتْ) على صيغة المبني للفاعل، ولم أرَ أحدًا مِنَ الشراح حرَّر هَذَا الموضع، ولا ذَكَرَ ما المقصود منه، والظاهر أنَّ المراد منه أنَّ المرأة بعد موتِ زوجها لا يُتعَرَّضُ لها، فإنَّ جميع ما فِي بيته لها، وإن لم يُشهد لها زوجها بذلك، وإِنَّما احتاج إلى الإشهاد والإقرار إذا عُلِمَ أنَّهُ تزوَّجها فقيرةً، وأن ما فِي بيتها مِنَ متاع الرِّجَال، وبه قال مَالِكٌ.
(ص) وَقَالَ الْحَسَنُ: إِذَا قَالَ لِمَمْلُوكِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ قَدْ كُنْتُ أَعْتَقْتُكَ؛ جَازَ.
(ش) (الْحَسَنُ) هو البَصْريُّ، وَهَذَا على أصله أنَّ إقرار المريض نافذٌ مُطلقًا، فَهَذَا على إطلاقه يتناول أن يكونَ مِن جميعِ ماله، ويخالفه غيره فلا يعتقُ إلَّا مِنَ الثُّلث.
(ص) وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِذَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ عِنْدَ مَوْتِهَا: إِنَّ زَوْجِي قَضَانِي وَقَبَضْتُ مِنْهُ؛ جَازَ.
(ش) (الشَّعْبِيُّ) هو عامر.
قوله: (قَضَانِي) يعني: أداني حقِّي، جاز إقرارها، قال ابن التين: لأنَّها لا تتَّهم بالميل إلى زوجها فِي تلك الحال، ولا سيَّما إذا كان لها ولدٌ مِن غيره.
(ص) وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا يَجُوزُ إِقْرَارُهُ لِسُوءِ الظَّنِّ بِهِ لِلْوَرَثَةِ، ثُمَّ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: يَجُوزُ إِقْرَارُهُ بِالْوَدِيعَةِ وَالْبِضَاعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ.
(ش) قال صاحب «التوضيح»: المراد بـ«بعضِ الناس» أبو حَنِيفَةَ، وقَالَ الكَرْمَانِيُّ: قوله: «وقال بعض الناس» أَي: كالحَنَفيَّة.
قُلْت: هَذَا كلُّه تشنيع على أبي حَنِيفَةَ، أو على الحَنَفيَّة مطلقًا، مع أنَّ فيه سوء الأدب على ما لا يخفى.
قوله: (لَا يَجُوزُ إِقْرَارُهُ) أَي: إقرارُ المريض لبعضِ الورثة.
قوله: (لِسُوءِ الظَّنِّ بِهِ) أَي: بِهَذَا الإقرار؛ أَي: مظنَّة أن يريدَ الإساءة بالبعض الآخر منهم، وَهَذَا لا يطلق عليه سُوء الظن، ولم يعلِّل الحَنَفيَّة عدم جواز إقرار المريض [لبعضِ الورثة بِهَذِهِ العبارة، بل قالوا: لا يجوز ذلك؛ لأَنَّهُ ضررٌ لبقيَّة الورثة مع ورود قوله صلعم : «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، وَلَا إِقْرَارَ لَهُ بِدَيْنٍ» ومَذْهَبُ مَالِكٍ / كمَذْهَبِ أبي حَنِيفَةَ: إذا اتَّهم، وهو اختيار الرويانيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّة، وعن شُرَيْح والْحَسَن بن صالح: لا يجوز إقرار المريض] لوارثٍ إلَّا لزوجته بصداقها، وعنِ القاسم وسالم والثَّوْريِّ: لا يجوز إقرار المريض لوارثه مُطلقًا، وزعم ابن المنذر: أنَّ الشَّافِعِيَّ رجع إلى قولِ هؤلاء، وبه قال أَحْمَد، والعجبُ مِنَ البُخَاريِّ أنَّهُ خصَّص الحَنَفيَّة بالتشنيع عليهم وهم ما هم منفردون فيما ذهبوا إليه، ولكنَّ ليس هَذَا إلَّا بسبب أمرٍ سبق فيما بينهم، وَالله أَعْلَمُ.
قوله: (ثُمَّ اسْتَحْسَنَ) أَي: بعضُ الناس هَذَا؛ أَي: رأى بالاستحسان، (فَقَالَ...) إلى آخره، والفرق بين الإقرار بالدَّين وبين الإقرار بالوديعة والبضاعة والمضاربة ظاهرٌ؛ لأنَّ مَبْنى الإقرار بالدَّين على اللزوم، ومَبْنى الإقرار بِهَذِهِ الأشياء المذكورة على الأمانة، وبين اللزوم والأمانة فرقٌ عظيم.
(ص) وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلعم : «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ».
(ش) احتجَّ البُخَاريُّ بِهَذَا لقوله نقلًا عَنِ الحَنَفيَّة: (لسوء الظَّنِّ به للورثة) وذلك لأنَّ الظنَّ محذَّرٌ عنه؛ لِقَوْلِهِ صلعم : «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ»، وإِنَّما يصحُّ هَذَا الاحتجاج إذا ثبت أنَّ الحَنَفيَّة علَّلوا بسوء الظَّنِّ به للورثة، وقد منعنا هَذَا عَن قريبٍ، ولئن سلَّمنا أنَّ هَذَا ظنٌّ فلا نُسَلِّم أنَّهُ ظنٌّ فاسد، والمحذَّر عنه الظنُّ الفاسد.
ثُمَّ هَذَا الْحَدِيث الَّذِي ذكره معلَّقًا طرفٌ مِن حديثٍ سيأتي فِي (الأدب) موصولًا مِن وجهين عَن أبي هُرَيْرَة، وقَالَ الكَرْمَانِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: الصدق والكذب صفتان للقول، لا للظَّنِّ، ثُمَّ إنَّهما لا يقبلان الزيادة والنقص، فكيف يُبْنَى منه «أفعل» التفضيل؟ قُلْت: جُعِلَ الظَّنُّ لمتكلِّم، فوُصِفَ بهما كما وُصِف المتكلِّم، فيقال: مُتكلِّم صادقٌ وكاذب، والمتكلِّم يقبل الزيادة والنقصان فِي الصدق والكذب، فيقال: زَيْدٌ أصدقُ مِن عَمْرو، فمعناه: الظَّنُّ أكذبُ فِي الْحَدِيث مِن غيره.
(ص) وَلَا يَحِلُّ مَالُ الْمُسْلِمِينَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلعم : «آيَةُ الْمُنَافِقِ إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ».
(ش) هَذَا احتجاجٌ آخَرُ لِمَا ادَّعاه البُخَاريُّ، ولكن لا يستقيم؛ لأنَّ فيه تعسُّفًا شديدًا؛ لأنَّ الكَرْمَانِيَّ وجَّهه بالجرِّ الثقيل على ما لا يخفى، وهو أنَّهُ إذا وجب تركُ الخيانة وجبَ الإقرارُ بما عليه، وإذا أقرَّ لا بُدَّ مِن اعتبار إقراره، وإلَّا لم يكن لإيجاب الإقرار فائدة انتهى.
قُلْت: سلَّمنا وجوب تركِ الخيانة، ولكن لا نسلِّم وجوبَ الإقرار بما عليه إلَّا فِي موضعٍ ليس فيه تهمة ولا أذًى للغير، كما فِي الإقرار للأجنبيِّ، وأَمَّا الإقرار لوارثه ففيه تهمةٌ ظاهرة، وأذًى ظاهرٌ لبقيَّة الورثة، وَهَذَا ظاهرٌ لا يُدفع.
فَإِنْ قُلْتَ: هَذَا المقرُّ فِي حالة يُرَدُّ فيها على الله، فهي الحالة التي تُجْتَنَبُ فيها المعصية والظلم.
قُلْت: هَذَا أمر مُبَطَّن، ونحن لا نحكم إلَّا بالظاهر.
وأَمَّا الْحَدِيث الَّذِي علَّقه فهو طرفٌ مِن حديثٍ مضى فِي (كتاب الإيمان).
(ص) وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}[النساء:58] فَلَمْ يَخُصَّ وَارِثًا وَلَا غَيْرَهُ.
(ش) هَذَا احتجاجٌ آخر فيما ذهبَ إليه وهو بعيدٌ جدًّا، وجَّهه الكَرْمَانِيُّ بِقَوْلِهِ: «ولم يخصَّ» أَي: لم يفرِّق بين الوارث وغيره فِي ترك الخيانة، ووجوب أداء الأمانة إليه، فيصحُّ الإقرار، سواء كان للوارث أو لغيره، أَمَّا وجه البعد فهو أن يقال: مِن أين عُلِم أنَّ ذمَّة المقرِّ للوارث كانت مشغولةً حَتَّى إذا لم يقرَّ كان خائنًا؟
فَإِنْ قِيلَ: إقراره عِنْدَ توجُّهه إلى الآخرة يدلُّ على ذلك؛ يقال: مع هَذَا يحتمل تخصيصُه بذلك بعضَ الورثة أنَّهُ فعل ذلك قصدًا لنفعه، وفي ذلك ضررٌ لغيره، والضَّررُ مدفوعٌ شرعًا، ولئن سلَّمنا اشتغالَ ذمَّته فِي نفس الأمر بما أقرَّ به؛ فَهَذَا لا يكون إلَّا دَينًا مضمونًا، فلا يُطلَق عليه الأمانة، فلا يصحُّ الاستدلال بالآية الكريمة على ذلك، على أنَّ كون الدَّين فِي ذمَّته مظنونٌ بحسب الظاهر، والضرر لباقي الورثة عِنْدَ ذلك محقَّقٌ، فكيف يُترَك العمل بالمحقَّق ويُعمَل بالمظنون؟!
(ص) فِيهِ عَبْدُ الله بنُ عَمْرٍو عنِ النَّبِيِّ صلعم .
(ش) أَي: فِي قوله: «آيَةُ الْمُنَافِقِ إِذَا اؤْتُمْنَ خَانَ» روى عَبْد الله بن عَمْرو بن العاص / عَنِ النَّبِيِّ صلعم ، وقد ذكره فِي (كتاب الإيمان) في (باب علامة المنافق) أَخْرَجَهُ عن قَبِيصَة عن سُفْيَان عن الأعْمَش عن عَبْد الله بن مُرَّة عن مسروق عَن [عبد الله بن] عَمْرو بن العاص.