عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

حديث: نهى النبي أن تضرب
  
              

          5541- (ص) حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى عَنْ حَنْظَلَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ☻: أنَّهُ كَرِهَ أَنْ تُعْلَمَ الصُّورَةُ.
          (ش) مُطَابَقتُه للتَّرجَمَة ظاهِرةٌ.
          و(عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى) ابن باذام الكوفيُّ، قال البُخَاريُّ: مات في سنة ثلاث عشرة ومئتين، وقال كاتب الواقديِّ مثله، وزاد في ذي القعدة، و(حَنْظَلَةُ) هو ابن أبي سفيان الجُمَحِيُّ، و(سَالِمٌ) هو ابن عبد الله بن عُمَر بن الخَطَّاب، ♥ ، وهو من أفراده.
          قوله: (الصُّورَةُ) أي: الوجه، وفي رواية الكُشْميهَنيِّ: <الصُّوَر> بصيغة الجمع في الموضعين، وفي «التوضيح»: الوسم في الصورة مكروهٌ عند العلماء كما قاله ابن بَطَّالٍ، وعندنا أنَّهُ حرام، وفي أفراد مسلم مِن حديث جابرٍ: أنَّهُ صلعم مرَّ على حمارٍ قد وُسِم في وجهه فقال: «لَعَن الله الذي وسمه»، وإِنَّما كرهوه لشرف الوجه، وحصول الشَّين فيه، وتغيير خلق الله، وأَمَّا الوسم في غير الوجه للعلامة والمنفعة بذلك؛ فلا بأس إذا كان يسيرًا غير شائن، ألا ترى أنَّهُ يجوز في الضحايا وغيرها؟ والدليل أنَّهُ لا يجوز الشائنُ مِن ذلك أنَّهُ صلعم حَكَمَ أنَّ مِن شَان عبدَه أو مثَّل به باستئصال أنفٍ أو أذن أو جارحة؛ عتقَ عليه، وأن يعتق إن جرحه أو يشقُّ أذنه، وقد وسم الشارع إبل الأضحية، وقد تَقَدَّمَ وسمُ البهائم في (باب وسم الإمام إبل الصدقة) في (كتاب الزكاة).
          (ص) وَقَالَ ابنُ عمر: نَهَى النَّبِيُّ صلعم أَنْ تُضْرَبَ.
          (ش) هذا موصولٌ بالسند المتقدِّم، ذَكَرَ أَوَّلًا الموقوف، ثُمَّ أعقبه بالمرفوع، مستدلًّا به على ما ذُكِرَ مِن الكراهة؛ / لأنَّه إذا ثبت النهيُ عَنِ الضرب كان منعُ الوسم أَولى.
          قوله: (أَنْ تُضْرَبَ) أي: الصورة، وجاء في رواية مسلمٍ مِن حديث جابر: نهى رسولُ الله صلعم عَنِ الضرب في الوجه وعنِ الوَسم في الوجه، وقد ذكرنا آنفًا عَن جابر أيضًا ما رواه فيه.
          (ص) تَابَعَهُ قُتَيْبَةُ: حدَّثنا العَنْقَزِيُّ عَنْ حَنْظَلَةَ، وَقَالَ: تُضْرَبُ الصُّورَةُ.
          (ش) أي: تابع عُبيدَ الله بن موسى شيخ البُخَاريِّ المذكور قُتيبةُ بن سعيد شيخ البُخَاريِّ أيضًا، في رواية حنظلة عن سالمٍ، وأوضح قُتيبة في هذه المتابعة أنَّ المراد مِن قولِه: (أن تُعلَمَ الصورة) في رواية عُبيد الله: أنْ تُضرب الصورة.
          ورواه قُتيبة عن عَمْرو بن مُحَمَّد الكوفيِّ (العَنْقَزِيِّ) بفتح العين المُهْمَلة وسكون النون وفتح القاف بعدها زايٌ، نسبة إلى بيع العَنقَز، قاله ابن حِبَّان، ووثَّقه أيضًا، و(العَنقَز) المَرْزَنجُوش، وقيل: الرَّيحان، وفي «ديوان الأدب»: «العَنقَز» المَردَكوش.
          قُلْت: (المَرْزَنجوش) معرَّب (مَردَكوش) وهو نبتٌ مشهور.
          قوله: (عَنْ حَنْظَلَة) أي: بالسند المذكور، وهو عن حنظلة عن سالمٍ عن أبيه عبد الله بن عُمَر، وهذه المتابعة لها حكمُ الوصل عند ابن الصلاح؛ لأنَّ قُتيبة مِن شيوخ البُخَاريِّ، كما ذكرناه.