عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب الوسم والعلم في الصورة
  
              

          ░35▒ (ص) بَابُ الْوَسْمِ وَالْعَلَمِ فِي الصُّورَةِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان حكم الوَسْم؛ بفتح الواو وسكون السين المُهْمَلة، وقيل: بالمُعْجَمة، ومعناهما واحدٌ، وهو أن يُعلَّم الشيءُ بشيءٍ يؤثِّر فيه تأثيرًا بليغًا، يقال: وَسَمَه إذا أثَّر فيه بعلامةٍ وَكيَّةٍ، وأصل ذلك أن يُجعَل في البهيمة ليميِّزها عن غيرها، وقيل: الوسم بالمُهْمَلة: في الوجه، وبالمُعْجَمة في سائر الجسد، فعلى هذا الصواب بالمُهْمَلة لقوله: (فِي الصُّورَةِ).
          قوله: (وَالْعَلَمِ) بفتحتين، بمعنى العلامة، وفي بعض النُّسَخ: <باب العَلَم والوَسم>، وقال ابن الأثير: يُقال: وَسَمَه يَسِمُه وَسْمًا وَسِمَةً؛ إذا أثَّر فيه بالكَيِّ، ومنه الحديث: أنَّهُ كان يَسِمُ إبل الصدقة؛ أي: يُعلِمُ عليها بالكيِّ انتهى.
          قُلْت: إذا كان الوسم بالكَيِّ يكون عطف (العَلَم) على (الوسم) مِن عَطْفِ العَامِّ عَلَى الخَاصِّ؛ لأنَّ العلامة أعمُّ مِن أن تكون بالكيِّ وغيره، وأَمَّا على النُّسخة التي قدَّم (العَلَم) على (الوسم) فيها؛ يكون عطف (الوَسْم) على (العَلَم) عطفًا تفسيريًّا.
          قوله: (فِي الصُّورَةِ) صفة لـ(العَلَم) أي: العَلَم الكائن في الصورة، ورُويَ: <في الصُّوَر> على صيغة جمع (الصورة)، وقال الكَرْمَانِيُّ: قيل: المراد بـ«الصورة» الوجه؛ كما يُعمَل الكيُّ في صُوَر سودان الحبشة، وكما يُغرَز بالإبرة في الشَّفَة وغيرها، ويُحشى بنيلةٍ ونحوها.
          وأبهَمَ الحكمَ في الترجمة اكتفاءً بما في الحديث، على عادته هكذا في غالب التراجم.