عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب أكل الجراد
  
              

          ░13▒ (ص) بَابُ أَكْلِ الْجَرَادِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان جواز أكل الجراد، الواحدة: جرادةٌ، الذكر والأنثى سواءٌ؛ كـ(الحمامة)، وقيل: إنَّهُ مشتقٌّ مِنَ الجَرْد؛ لأنَّه لا ينزل على شيءٍ إلَّا جرده، والجراد: يلحس التراب وكلَّ شيء يمرُّ عليه، ونُقِل عن الأصمعيِّ: أنَّهُ إذا خرج مِن بيضه فهو دَبا، والواحدة: دباة، قال: ولعابه سمٌّ على الأشجار، لا يقع على شيءٍ إلَّا أحرقه، وقال: الذَّكَر مِنَ الجراد هو العُنْظُب والحُنظُب، زاد الكسائيُّ: والعُنظُوب، وقال أبو المعالي: الجُنْدب ضربٌ منه، وقال أبو حاتمٍ: وأبو جُخَادِب شيخ الجَنادِب وسيِّدها، وقال ابن خالويه: ليس في كلام العرب اسمٌ للجراد أغرب مِنَ العصفول، وللجراد نيِّفٌ وستُّون اسمًا... فذكرها، وصفة الجراد عجيبةٌ، فيها صفة عشرةٍ مِنَ الحيوانات، وذكر بعضها ابن الشهرزوريِّ في قوله:
لَهَا فَخِذَا بكْرٍ وَسَاقَا نَعَامَةٍ                     وَقَادِمَتَا نَسْرٍ وَجُؤْجُؤِ ضَيِغَمِ
حَبَتْهَا أَفَاعِي الرَّمْلِ بَطْنًا وَأَنْعَمَتْ                      عَلَيْهَا جِيَادُ الخَيْلِ بِالرَّأْسِ وَالفَمِ
          قيل: وفَاتَهُ: عين الفيل، وعنق الثور، وقرن الإبل، وذنب الحيَّة، واخْتُلِف في أصله؛ فقيل: نثرة حوتٍ، ورد في حديثٍ ضعيفٍ أخرجه ابن ماجه عن أنسٍ رفعه: أنَّ الجراد نثرة حوتٍ مِنَ البحر، وقيل: إنَّهُ بريٌّ، وقيل: هو صنفان؛ أحدهما يطير في الهواء، يقال له: الفارس، والآخر ينزو نزوًا، يقال له: الراجل، ولها ستَّة أرجل، وإذا كان أيَّام الربيع، وأراد أن يبيض التمس الأرض الصلبة والصخرة الصلدة التي لا يعمل فيها المعاول، فيضربه بيده فينفرج، فيلقي فيها بيضه، وتلقي كلَّ واحدةٍ مئة بيضةٍ، ويطير ويتركها، فإذا أتى أيَّام الربيع واعتدل الزمان ينشقُّ ذلك البيض، فيظهر مثل الذُّرِّ الصغار، فيسيح على وجه الأرض، ويأكل زرعها حَتَّى يقوى، فينهض إلى أرضٍ أخرى، ويبيض كما فعل في العام الأَوَّل، وآفتها الطير والبرد، وأجمع العلماء على جواز أكله بغير تذكيةٍ إلَّا أنَّ المشهور عند المالكيَّة اشتراط تذكيته، واختلفوا في صفتها فقيل: يُقطَع رأسه، وقال ابن وهبٍ: أخذه ذكاته، وعن مالكٍ: إذا أخذه حيًّا ثُمَّ قطع رأسه أو شواه أو قلاه فلا بأس بأكله، وما أخذه حيًّا فغفل عنه حَتَّى مات لا يؤكل، وذكر الطَّحَاويُّ في «كتاب الصيد»: أنَّ أبا حنيفة ☺ ، قيل له: أرأيت الجراد هو عندك بمنزلة السمك مَن أصاب منه شيئًا أكله سمَّى أو لم يسمِّ؟ قال: نعم، قُلْت: وأينما وجدتُ الجراد آكلُه؟ / قال: نعم، قُلْت: وإن وجدته ميِّتًا على الأرض؟ قال: نعم، قُلْت: وإن أصابه مطر فقتَلَه؟ قال: نعم، لا يحرِّم الجرادَ شيءٌ على حالٍ.