عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب ما أنهر الدم من القصب والمروة والحديد
  
              

          ░18▒ (ص) بَابُ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ مِنَ الْقَصَبِ وَالْمَرْوَةِ وَالْحَدِيدِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان ما أنهر الدم؛ أي: أساله.
          قوله: (مِنَ الْقَصَبِ وَالْمَرْوَةِ وَالْحَدِيدِ) ذَكرَ هذه الثلاثة وليس في أحاديث الباب شيءٌ منها، وليس فيها إلَّا الذبح بالحجر، أَمَّا الذبح بالقصَب فقد ورد في بعض طرق حديث رافعٍ عند الطبرانيِّ: (أفنذبح بالقصَب والمروة؟) وأَمَّا الذبح بالمروة ففي حديثٍ أخرجه أحمد والنَّسائيُّ والتِّرْمِذيُّ وابن ماجه مِن طريق الشعبيِّ عن مُحَمَّد بن صفوان _وفي روايةٍ عن مُحَمَّد بن صيفيِّ_ قال: ذبحت أرنبينِ بمروة، فأمرني النَّبِيُّ صلعم بأكلهما، وصحَّحه ابن حِبَّان والحاكم، و(المروة) قال الأصمعيُّ: هي حجارةٌ بيضٌ رقاقٌ يُقدَح منها النار، وأَمَّا الذبح بالحديد فيُؤخَذ مِن حديثٍ أخرجه ابن ماجه مِن رواية جرير بن حازمٍ، عن أيُّوب، عن زيد بن أسلم، قال جريرٌ: فلقيت زيد بن أسلم فحدَّثني عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ قال: كانت لرجلٍ مِنَ الأنصار ناقةٌ ترعى في قبل أُحُدٍ فعرض لها فنحرها بوتدٍ، فقلت لزيدٍ: وتدٌ مِن خشبٍ أو حديدٍ؟ قال: لا، بل خشبٌ، فأتى النَّبِيَّ صلعم فأمره بأكلها انتهى، فإذا كان بوتدٍ مِن خشبٍ جازَ فمِن وتد حديدٍ بالطريق الأَولى، وروى أبو داود والنَّسائيُّ وابن ماجه مِن رواية سِمَاك بن حَرْبٍ، عن مُرَيِّ بن قَطَرِيٍّ، عن عَدِيِّ بن حاتمٍ قال: قُلْت: يا رسول الله؛ أرأيت إنْ أحدَنا أصابَ صيدًا وليس معه سِكِّينٌ؛ أنذبح بالمروة وشقَّة العصا؟ فقال: «أَمْرِ الدمَ بما شئتَ واذكر اسمَ الله ╡ » لفظ أبي داود، وقال النَّسائيُّ: «فاذبحه بالمروة والعصا»، وقال ابن ماجه: (فلا نجد سكِّينًا إلَّا الظِّرَارة وشقَّة العصا).
          قُلْت: (الظِّرَارة) جمع (ظُرَر) وهو حجرٌ صلبٌ محدَّدٌ، ويُجمع أيضًا على (ظِرَّان)، وروى أحمد في «مسنده» مِن حديث سفينة: أنَّ رجلًا شاط ناقته بجَِذلٍ، فسأل النَّبِيَّ صلعم ، فأمرهم بأكلها.
          قُلْت: (الجَِذل) بكسر الجيم وفتحها: أصل الشجرة يُقطع، وقد يُجعل العود جَِذلًا، ومعنى (شاط ناقته) أي: ذبحها بعودٍ.