عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب صيد المعراض
  
              

          ░2▒ (ص) باب صَيْدِ الْمِعْرَاضِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان حكم صيد المِعراض، وقد مرَّ تفسير (المِعراض) عن قريب.
          (ص) وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ ☻ فِي الْمَقْتُولَةِ بِالْبُنْدُقِ: تِلْكَ الْمَوْقُوذَةُ.
          (ش) قيل: لا وجهَ لذكر أثرِ ابنِ عمر، ولا للآثار التي بعده في هذا الباب.
          قُلْت: فيه وجهٌ حَسنٌ؛ وهو أنَّ المقتولة بالبندقةِ موقوذةٌ، كما أنَّ مقتولة المِعراض بغير حدِّه موقوذة، فهذا المقدارُ كافٍ في بيانِ المطابقة.
          وتعليق ابن عمر وصله البَيْهَقيُّ مِن طريق أبي عامر العَقَديِّ عن زهيرٍ _هو ابن مُحَمَّد_ عن زيد بن أسلم عن ابن عمر أنَّهُ كان يقول: المقتولةُ بالبندقةِ تلك الموقوذةُ.
          (ص) وَكَرِهَهُ سَالِمٌ وَالْقَاسِمُ وَمُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ، وَكَرِهَ الْحَسَنُ رَمْيَ الْبُنْدُقَةِ فِي الْقُرَى وَالأَمْصَارِ، وَلَا يَرَى بَأْسًا فِيمَا سِوَاهُ.
          (ش) أي: كرِهَ سالم بن عبد الله بن عُمَر ♥ أكلَ مقتولةِ البندقة، وكذلك كرِهَ القاسمُ بن مُحَمَّد بن أبي بكر الصِّدِّيق ♥ ، ومجاهدُ بن جَبْر، وإبراهيم النَّخَعِيُّ، وعطاء بن أبي رَبَاح، والحسن البَصْريُّ.
          أَمَّا أثر سالم والقاسم فأخرجه ابن أبي شَيْبَةَ في «مصنَّفه» عن الثَّقَفيِّ عن عُبَيد الله بن عُمَر عنهما: أنَّهما كانا يكرهانِ البندقة إلَّا ما أُدرِكت ذكاتُه.
          وأَمَّا أثر مجاهدٍ فأخرجه ابن أبي شَيْبَةَ أيضًا عن ابن المبارك عن مَعمَر عن ابن أبي نَجِيح عن مجاهد أنَّهُ كرِهَه.
          وأَمَّا أثر إبراهيم النَّخَعِيِّ فأخرجه ابن أبي شَيْبَةَ أيضًا عن حفص عن الأَعْمَش عن إبراهيم: لا تأكل ما أصبتَ بالبندقةِ إلَّا أن تُذكَّى.
          وأَمَّا أثر عطاء فأخرجه عبد الرزَّاق عن ابن جُرَيْج: قال عطاء: إن رميتَ صيدًا ببندقة، فأدركتَ ذكاته؛ فكُلْه، وإلَّا فلا تأكله.
          وأَمَّا أثر الحسن فأخرجه ابن أبي شَيْبَةَ عن عبد الأعلى عن هشام عن الحسن: إذا رمى الرجلُ / الصيد بالجُلَّاهِقة؛ فلا تأكل إلَّا أن تدرك ذكاته، وقال بعضهم: و«الجُلَّاهِقَة» بِضَمِّ الجيم وتشديد اللَّام وكسر الهاء بعدها قاف: هي البندقة بالفارسيَّة، والجمع «جُلاهق».
          قُلْت: المشهور في لسان الفارسيَّة أنَّ اسم البندقة (كِلْ كَمَانْ).
          قوله: (وَكَرِهَ الحَسَنُ) أي: البَصْريُّ (رَمْيَ الْبُنْدُقَةِ فِي القُرَى...) إلى آخرِه: إِنَّما كرهَ في القرى والأمصار تحرُّزًا عن إصابة الناس، بخلاف الصحراء، وهذا ظاهرٌ، وقال ابن المنذر: وممَّن روينا عنه أنَّهُ كره صيدَ البندقة ابنُ عمر والنخعيُّ ومالك والثَّوْريُّ والشَّافِعِيُّ وأحمد وإسحاق وأبو ثور.