عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

حديث: دخلت على النبي بأخ لي يحنكه
  
              

          5542- (ص) حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ ☺ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلعم بِأَخٍ لِي يُحَنِّكُهُ، وَهْوَ فِي مِرْبَدٍ لَهُ، فَرَأَيْتُهُ يَسِمُ شَاةً _حَسِبْتُهُ قَالَ:_ فِي آذَانِهَا.
          (ش) مُطَابَقتُه للتَّرجَمَة ظاهِرةٌ.
          و(أَبُو الْوَلِيدِ) هشام بن عبد الملك الطَّيَالِسِيُّ، و(هِشَامُ بْنُ زَيْدٍ) ابن أنس بن مالكٍ، يروي عن جدِّه (أنس).
          والحديث أخرجه مسلم في (اللِّباس) عن أبي موسى وغيره، وأخرجه أبو داود في (الجهاد) عن حفص بن عُمَر، وأخرجه ابنُ ماجه في (اللِّباس) عن سُوَيد بن سعيد.
          قوله: (بِأَخٍ لِي) هو أخوه مِن أمِّه، وهو عبد الله بن أبي طلحة.
          قوله: (يُحَنِّكُهُ) مِنَ التحنيك؛ وهو أن يدلك في حنكه تمرةً ممضوغةً ونحوها.
          قوله: (فِي الْمِرْبَدِ) بكسر الميم وسكون الراء وفتح الباء المُوَحَّدة وبالدال المُهْمَلة، وهو الموضعُ الذي يُحبَس فيه الإبل؛ كالحظيرة للغنم، فإطلاق (المِربَد) هنا على موضعِ الغنم إمَّا مجازٌ وإمَّا حقيقة؛ بأن أدخل الغنم إلى مِربَد الإبل ليَسِمَها.
          قوله: (يَسِمُ) مِنَ الوسم كما ذكرنا؛ أي: يكوي.
          قوله: (شَاةً) وفي رواية الكُشْميهَنيِّ: <شاء > بالهمزة، جمع (شاة).
          قوله: (حَسِبْتُهُ) القائل شعبة، والضمير المنصوب فيه يرجع إلى هشام بن زيد، وقد وقع مُبيَّنًا في رواية مسلم.
          وفيه: جواز الوسم في غير الآدميِّ، وبيان ما كان النَّبِيُّ صلعم عليه مِنَ التواضع، وفعل الأشغال بيده، ونظره في مصالح المسلمين.
          وفيه: استحبابُ تحنيك المولود وحمله إلى أهل الصلاح؛ ليكون أَوَّل ما يدخل جوفه ريقُ الصالحين، وقال النوويُّ: الضرب في الوجه منهيٌّ عنه في كلِّ حيوان محترمٍ، لكنَّه في الآدميِّ أشدُّ؛ لأنَّه مَجمَع المحاسن، وربَّما شانه أو آذى بعض حواسِّه، وأَمَّا الوسم ففي الآدميِّ حرامٌ، وفي غيره مكروه، و(الوسم) هو أثر الكيِّ، قال الكَرْمَانِيُّ: والوسم في نحوِ نَعَم الصدقة في غير الوجه مستحبٌّ، وقال أبو حنيفة: مكروه؛ لأنَّه تعذيب ومُثلة، وقد نُهيَ عنهما، وأجيب عنه بأنَّ ذلك النهيَ عامٌّ، وحديث الوسم خاصٌّ، فوجب تقديمه.
          قُلْت: إذا عُلِم تقارنهما يقضي الخاصُّ على العامِّ، وإلَّا فلا.