مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب قول الله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}

          ░13▒ باب قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} الآية [المائدة:38]
          وقطع علي من الكف، التعليق عن علي رواه ابن أبي شيبة عن وكيع، عن سمرة بن معبد بن عبد الرحمن قال: رأيت أبا خيرة مقطوعاً من المفصل، فقلت: من قطعك؟ قال الرجل الصالح: علي أما إنه لم يظلمني.
          وقول قتادة رواه أحمد بن حنبل في ((تاريخه الكبير)) عن محمد بن الحسن الواسطي، أنا عوف عنه.
          ثم ساق (خ) من حديث عائشة: أن النبي صلعم قال: ((تقطع اليد في ربع دينار فصاعداً)). تابعه عبد الرحمن ابن خالد وابن أخي الزهري ومعمر، عن الزهري، عن عمرة عن عائشة، عن رسول الله صلعم.
          متابعة الأولين رواها محمد بن يحيى الذهلي في كتابه ((علل أحاديث الزهري)): عن روح بن عبادة ومحمد بن بكر عنهما.
          ومتابعة الثالث، رواها (م) عن إسحاق بن إبراهيم وأبي حميد، كلاهما عن عبد الرزاق، عن معمر به.
          ثم ساقه (خ) من حديث يونس، عن الزهري، بسنده عن عائشة: ((تقطع يد السارق في ربع دينار))، وعن عائشة أنه ◙ قال: ((لا تقطع إلا في يعني ثمن مجن ثلث دينار أو نصف دينار فصاعداً)).
          وفي حديث عروة عنها: ثمنه أربعة دراهم.
          قال الطحاوي: إنما أخبرت عائشة بما قطع فيه رسول الله فيحتمل أنها قومت ما قطع فيه رسول الله فكانت قيمته عندها ربع دينار، فجعلت ذلك مقدار ما كان ◙ يقطع فيه وثمنها عند غيرها أكثر من ربع دينار، واعترض البيهقي قال: كانت عائشة أعلم بالله وأفقه في دينه وأخوف من الله في أن تقطع على رسول الله بذلك فيما لم يحط به علماً أو يطلق مثل هذا التقدير فيما تقومه بالظن نحن لا نظن بعائشة مثل هذا لما علمنا من إتقانها في الرواية وحفظها للسنة ومعرفتها بالشريعة.
          قال: وأما القطع في ربع دينار فلم يرو إلا عن عائشة، وروي عنها على ثلاثة أضرب: لا قطع إلا في ربع دينار، ثانيها: قطع في ربع دينار، وقال: ((القطع في ربع دينار)) ثالثها: لم يقطع في أقل من ثمن المجن.
          ولم يرو هذه الألفاظ باختلافها عنها إلا القاسم وعروة وعمرة امرأة عكرمة، ولم تسم لنا.
          فأما القاسم فأوقفه، وأنكر عبد الرحمن ابنه على من رفعه وخطأه.
          وأما الذين رووا القطع في ثمن المجن دون تحديد فهشام عن أبيه، وامرأة عكرمة، عن عائشة.
          وللدارقطني من حديث أنس أنه ◙ قطع في شيء قيمته خمسة دارهم.
          واختلف فيما نقطع به، ولا شك أن آية السرقة محكمة في وجوب قطع السارق، ومجملة في مقدار ما يجب فيه القطع، فلو تركنا مع ظاهرها لوجب القطع في قليل الأشياء وكثيرها، لكن بين لنا رسوله ◙ مقدار ما يجب فيه القطع، بما سلف من الأحاديث بقطع اليد في ربع دينار فصاعداً.
          والصرف على عهد رسول الله صلعم اثني عشر درهما بدينار وكان كذلك بعده.
          أو فيما قيمته ربع دينار بما يجوز ملكه إذا سرق من حرز، روي هذا القول عن عمر وعثمان وعلي وعائشة، وهو قول مالك والليث والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبي ثور.
          وذهب الثوري والكوفيون إلى أنه: لا تقطع اليد إلا في عشرة دراهم، وقالوا: من سرق مثقالا لا يساوي عشرة دراهم لا قطع عليه، وكذلك من سرق عشرة مضروبة لم تقطع.
          وقال أحمد: إذا سرق من الذهب ربع دينار قطعته، وإذا سرق من الدراهم ثلاثة دراهم فصاعداً قطعت يده، وإذا سرق عروضاً، فإن بلغته قيمته ثلاثة دراهم قطعت يده.
          وعبارة غيره ذهب مالك وأحمد في أظهر الروايات عنه: أن نصابها ربع دينار، أو ثلاثة دراهم، أو قيمة ثلاثة دراهم من العروض. والتقويم بالدراهم خاصة، والأثمان أصول لا يقوم بعضها ببعض.
          وعن أحمد رواية ثانية: أن نصابها ثلاثة دراهم، أو قيمة ذلك من الذهب والعروض، والأصل في هذه الرواية نوع واحد الفضة. وعنه ثالثة أن النصاب ربع دينار أو ثلاثة دراهم أو قيمة أحدهما من العروض.
          وفيه قول ثالث قاله ابن شبرمة وابن أبي ليلى: تقطع في خمسة دراهم فصاعداً، ذهبا إلى حديث الشعبي، عن ابن مسعود، ولا يصح.
          وحكي أيضاً عن مالك واستغربه ابن التين قال: وذكر ذلك عن النخعي قال: وذكر عنه أيضاً أربعون درهماً، قال: وعن ابن الزبير أنه قطع في نصف درهم. وعن زياد في درهمين، وعن أبي سعيد في أربعة.
          وفيه قول رابع: أنه يقطع / في كل ما له قيمة، قل أو كثر.
          وخامس: الذهب ربع دينار وغيره ما له قيمة، قلت أو كثرت.
          وسادس: لا قطع إلا في درهمين، أو ما يساويها.
          وسابع: الذهب ربع دينار وغيره ما له قيمة ثلاثة دراهم، وإن ساوى ربع دينار أو نصفه أو أكثر، أو لم يساوي لرخص الذهب ثلاثة دراهم لا قطع فيه.
          وثامن: الذهب ربع دينار، وغيره كل ما يساوي ربعه، فإن ساوى عشرة أو أقل أو أكثر ولم يساو ربع دينار لغلاء الذهب، أو يساوي ربع دينار، أو لم يساو نصف درهم لرخص الذهب قطع.
          وتاسع: الذهب ربع دينار، وغيره إن ساوى ربع دينار، أو لم يساو ثلاثة دراهم أو عكسه قطع، وإن لم يساو ربع دينار ولا ثلاثة دراهم فلا قطع عليه.
          وعاشر: أنه لا قطع إلا في أربعة دراهم أو ما يساويها فصاعداً.
          وحادي عشر: أنه لا قطع إلا في خمسة دراهم أو ما يساويها فصاعداً.
          وثاني عشر: لا قطع إلا في دينار أو عشرة دراهم أو ما يساويهما.
          وثالث عشر: لا يقطع إلا في دينار ذهب، أو ما يساويه.
          حكى هذه المذاهب السبعة ابن حزم، كل واحد عن طائفة.
          وحكى ابن عبد البر في ((استذكاره))، عن عثمان البتي: يقطع في درهم. وفي رواية منصور، عن الحسن أنه كان لا يوقت في السرقة شيئاً، ويتلو: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة:38] وفي رواية قتادة عنه أجمع على درهمين.
          وقالت الخوارج وطائفة من أهل الكلام: كل سارق بالغ سرق ما له قيمة قلت أو كثرت فعليه القطع.
          وفي ((الموازية)) على مذهب مالك: تقطع في كل، في الماء إذا أحرز لوضوء أو شرب أو غيره، وكذلك الحطب والورد والياسمين والرمان إذا أخذ من حرز وكانت قيمته ثلاثة دراهم.
          وفي ((المنتقى(1))) للباجي: من سرق لحم أضحية أو جلدها قطع، قاله أشهب. وقال أصبغ: إن سرقت قبل الذبح، وإن كان بعده فلا(2).
          واحتج الكوفيون بأحاديث:
          منها: حديث ابن إسحاق، عن أيوب بن موسى، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: كانت قيمة المجن الذي قطع رسول الله صلعم فيه عشرة دراهم. وعليه اقتصر ابن بطال.
          والحجة على الكوفيين أنه يحتمل أن يكون القطع في عهد رسول الله في مجنين مختلفين أحدهما: قيمته ثلاثة دراهم، والثاني: عشرة؛ لأنه إذا صح القطع بنقل، فنقل الثقات في ثلاثة دراهم دخل فيه عشرة دراهم.
          وهذا أولى من حمل الأخبار على التضاد، ومع الأئمة الأربعة الراشدين عائشة وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري وابن الزبير.
          واختلف مالك والشافعي في تقويم الأشياء المسروقة، فقال مالك: تقوم بالدراهم على حديث ابن عمر أن المجن كان ثمنه ثلاثة دراهم، ولا ترد الفضة إلى الذهب في القيمة ولا عكسه، فمن سرق عبده ربع دينار فعليه القطع، ومن سرق عبده ثلاثة دراهم فعليه القطع، ولو سرق عبده درهمين صرفهما ربع دينار لم يجب عليه القطع، ولو سرق ربع دينار لا تبلغ قيمته ثلاثة دراهم قطع.
          وذهب الشافعي إلى أن تقويم الأشياء بالذهب، على حديث عائشة في ربع دينار، ولا يقوم شيئاً بالدراهم فيقطع في ربع دينار، ولا يقطع في ثلاثة دراهم، إلا أن يكون قيمتها ربع دينار، قال: لأن الثلاثة الدراهم إنما ذكرت في الحديث؛ لأنها كانت يومئذ ربع دينار ذهباً، فيقال له: الذهب والورق أصلان كالدية التي جعلت ألف دينار أو اثنا عشر ألف درهم وكالزكاة التي جعلت في مائتي درهم وعشرين ديناراً، لا يرد أحدهما إلى الآخر، فكذلك لا ينبغي أن يقوم الذهب بالدنانير ولا عكسه / ؛ لأنهما قيم المتلفات وأثمان الأشياء، بل الغالب قيمة الدراهم، ومحال أن يحكي ابن عمر أن المجن قيمته ثلاثة دراهم، إلا وقد قوم بها دون الذهب، وإذا ثبت أن المجن قوم بالدراهم، ولم ينقل أن الدراهم بعد ذلك قومت بالذهب لم يجز تقويمها بالذهب، كما لا يقوم الذهب بها، ووجه استعمال الأحاديث فيوجب القطع في ربع دينار وثلاثة دراهم.
          قال ابن عبد البر: قالوا إن حديث أبي هريرة في سرقة البيضة كان في حين نزول هذه الآية، ثم أحكمت الأمور بعد ما جاء عن رسول الله مما روته عائشة.
          في ((الإشراف)): أجمعوا على وجوب قطع السارق والسارقة إذا جمع أوصافاً منها: أن يكون المسروق يقطع في جنسه ونصاب السرقة، وأن يكون السارق على أوصاف مخصوصة، وأن تكون السرقة على صفة مخصوصة، وأن يكون الموضع المسروق منه مخصوصاً وأجمعوا على أن الحرز معتبر في وجوب القطع، واختلفوا في صفته، هل يختلف باختلاف الأموال اعتباراً بالعرف؟ فقال أبو حنيفة: كلما كان حرز الشيء من الأموال كان حرزاً لجميعها. وقال الباقون: هو مختلف باختلاف الأموال، والعرف معتبر في ذلك.
          وعن سلمان بن موسى أن عثمان قضى أنه لا قطع على سارق وإن كان قد جمع المتاع وأراد أن يسرق حتى يحمله ويخرج.
          وعن عمرو بن شعيب أن سارقاً دخل خزانة المطلب بن أبي وداعة فوجده قد جمع المتاع ولم يخرجه، فأتي به ابن الزبير فجلده وأمر به أن يقطع، فقال ابن عمر: ليس عليه قطع حتى يخرج به من البيت، أرأيت لو رأيت رجلاً بين رجلي امرأة لم يصبها أكنت حاده؟ قال ابن الزبير: لا. قال: قد يكون نازعاً تائباً، أو تاركاً للمتاع.
          وعن علي في الرجل يوجد في البيت وقد لقي معه المتاع قال: لا يقطع حتى يحمل المتاع ويخرج به عن الباب، وقاله عامر والشعبي وعطاء وربيعة وعمر بن عبد العزيز.
          قال ابن حزم؛ وهو قول الثوري وأبي حنيفة والشافعي ومالك وأحمد وأصحابهم وإسحاق بن إبراهيم، وقالت طائفة: عليه القطع سواء سرق من حرز أو من غيره.
          واختلف في المختلس فكان علي لا يقطعه، وكذا قاله زيد بن ثابت والشعبي وعمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز والحسن وإبراهيم وقتادة، وإليه ذهب أبو حنيفة والشافعي ومالك وأحمد وأصحابهم وإسحاق بن راهويه، وقالت طائفة: عليه القطع منهم علي بن رباح وعطاء بن أبي رباح.
          وفي حديث سفيان عن أبي الزبير، عن جابر رفعه: ((ليس على خائن ولا مختلس قطع)) وفي لفظ ((ولا منتهب))، أخرجه أصحاب السنن الأربعة. وقال (ت): حسن صحيح.
          قال ابن حزم: فقالوا لم يجعل القطع على مختلس ولا خائن، فسقط بذلك القطع عن كل من اؤتمن، وعن حريسة الجبل والثمر المعلق حتى يؤويه الجرين والمراح، وهو حرزهما.
          قالوا: وما وجد في غير حرز فإنما هو لقطة فقد أبيح أخذها وتحصيلها.
          وقال ابن المنذر: ليس فيه خبر ثابت با مقال فيه لأهل العلم، لكن يقول عوام أهل العلم في وجوب الحرز. أقول: وهو كالإجماع منهم قال ابن عبد البر: لم يختلف فيمن أخرج الشيء المسروق من حرزه سارقاً له، وبلغ المقدار الذي يقطع فيه أن عليه القطع؛ حرًّا كان أو عبداً، ذكراً كان أو أنثى، مسلماً كان أو ذمِّيًّا؛ إلا أن العبد الآبق إذا سرق اختلف السلف في قطعه، ولم يختلف علماء الأمصار في ذلك.
          وبه قال عمر بن عبد العزيز وسالم وعروة قال مالك: وذلك الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا. قال أبو عمر: وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم والثوري والأوزاعي والليث وأحمد وإسحاق وأبي ثور وداود وجمهور أهل العلم بالأمصار، وإنما وقع الاختلاف فيه عن بعض الفقهاء، ثم انعقد الإجماع بعد ذلك. /
          وروى الثوري ومعمر، عن عمرو بن دينار، عن مجاهد، عن عبد الله بن عباس أنه كان لا يرى على عبد آبق سرق قطعاً. وقالت عائشة: ليس عليه قطع، وقال الحسن والشعبي: يقطع.
          في كتاب ((الإشراف)): فإن سرق ما يسرع إليه الفساد، فقال أبو حنيفة: لا يقطع خلافاً للثلاثة.
          فروع: سرق حرًّا صغيراً لا تمييز له لا يقطع عند الشافعي وأبي حنيفة، وقطع عند مالك، وعن أحمد روايتان أظهرهما: كمذهبنا، والأخرى كمذهب مالك.
          وإن سرق مصحفاً، قال أبو حنيفة وأحمد: لا يقطع خلافاً للشافعي ومالك. والنباش لا قطع فيه عند أبي حنيفة، وخالفه الباقون. واختلف فيما إذا سرق من ستارة الكعبة ما يبلغ نصاباً، فقال الشافعي وأحمد: يقطع خلافاً لأبي حنيفة ومالك.
          والأظهر عندنا قطع أحد الزوجين بمال الآخر إذا كان محرزاً، وفي قول لا، وفي ثالث: يقطع الزوج خاصة(3)، وقال أبو حنيفة: لا يقطع سواء سرق من بيت خاص لأحدهما، أو من بيتها فيه.
          وقال مالك: يقطع إذا كان من حرز من بيت خاص للمسروق منه، فإن كان في بيت يسكنان فيه فلا. وعن أحمد روايتان: لا يقطع، وكمذهب مالك، ولا قطع عند أبي حنيفة إذا سرق من ذي رحم محرم، وخالفه الباقون، ولا قطع بسرقة الولد من مال الوالد خلافاً لمالك.
          وأجمعوا أنه لا قطع على الوالدين بسرقة مال أولادهم، وإذا سرق صنماً من ذهب فلا قطع عند أبي حنيفة وأحمد خلافاً للشافعي ومالك، وسارق الثياب من الحمام وعليها حافظ، قال أبو حنيفة: إن كان ذلك ليلاً قطع، أو نهاراً فلا.
          وقال الشافعي وأحمد في رواية: يقطع مطلقاً. وعن أحمد: لا قطع مطلقاً، وقال مالك: من سرق ما كان في الحمام بما يحرس فعليه القطع، ومن سرق ما لا يحرس منها وكان موضوعاً فلا. ولو سرق عدلاً أو جوالقاً وثم حافظ، قالوا: يقطع خلافاً لأبي حنيفة.
          واختلف في سارق العين المسروقة من السارق أو المغصوبة من الغاصب، فقال أبو حنيفة: يقطع في المغصوب دون المسروق إن كان السارق الأول قطع فيها، وإن كان لم يقطع قطع الثاني.
          وقال مالك: يقطع كل واحد منهما، وبه قال الشافعي وأحمد.
          ولو سرق من المغنم، وكان من أهله، فقال أبو حنيفة وأحمد: لا قطع، وقال مالك في المشهور عنه: يقطع. وعن الشافعي قولان كالمذهبين، فإن كان من غير أهله قطع بإجماع.
          واختلف هل يجتمع على السارق القطع والغرم، فقال أبو حنيفة: لا، فإن اختار المسروق منه المغرم فلا قطع، وإن اختار القطع واستوفى منه فلا غرم. وقال مالك: إن كان السارق موسراً وجب عليه القطع والغرم، وإن كان معسراً لم يتبع بقيمتها ويقطع.
          وقال الشافعي وأحمد: يجتمعان جميعاً.
          وأجمعوا على أنه لا قطع على من سرق ثمراً معلقاً على الشجر إذا لم يكن محرزاً بحرز.
          وأجمعوا على أنه إذا اشترك جماعة في سرقة وحصل لكل نصاب أن عليهم القطع، فإن اشتركوا في نصاب فلا، قاله الشافعي وأبو حنيفة(4)، وقال مالك: إن كان يحتاج إلى التعاون عليه قطعوا، وإن كان مما يمكن الواحد الانفراد به كله ففيه لأصحابه قيمته، وإن انفرد كل واحد بشيء أخذه لم يقطع واحد منهم، إلا أن يكون قيمة ما أخرج نصاباً، ولا يضم إلى ما أخرج غيره. وقال أحمد: عليهم القطع سواء كان من الأشياء الثقيلة التي تحتاج إلى التعاون عليها كالساجة وغيرها، وإن كان من الأشياء الخفيفة كالثوب ونحوه.
          فرع: اشتركا في نقب ودخل أحدهما وناوله صاحبه / ، وكان خارجه أو رمى به إليه وأخذه، فالقطع على الداخل دون الخارج خلافاً لأبي حنيفة حيث قال: لا يقطع واحد منهما، فإن دخلا وأخرج واحد نصاباً ولم يخرج غيره شيئاً ولم يكن بينهم معاونة في إخراجه(5)، فقال أبو حنيفة وأحمد: يجب القطع عليهما، وقال الشافعي ومالك: لا يقطع إلا الذي أخرج المتاع، فإن قرب الداخل المتاع إلى النقب وتركه فأدخل الخارج يده فأخرجه من الحرز، فقال أبو حنيفة: فالقطع عليهما، وقال مالك: يقطع الذي أخرجه قطعاً، وفي الواحد الذي قربه خلاف بين أصحابه.
          وقال الشافعي: القطع على الذي أخرجه خاصة. وقال أحمد: القطع عليهما جميعاً.
          واختلف في اليد والرجل من أين يقطعان، فروي عن عمر وعثمان وعلي أنهم قالوا: من المفصل، وعليه أكثر الفقهاء، وقد روي عن علي رواية أخرى: أن اليد تقطع من الأصابع والرجل من نصف القدم، ويترك له عقباً.
          وقال أبو ثور: فعل علي أرفق وأحب إلي. والقول الأول أولى بتأويل الآية: {فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:38] واقتصر (خ) على الرواية الأولى عن علي، وحكى ابن التين عن بعضهم قطع اليد من الإبط، وهو بعيد عجيب، ولا شك أن الأخذ بأوائل الأسماء واجب، ومن قطع من الكوع سمي مقطوع اليد، ومن قطعت أصابعه لا يسمى مقطوع اليد، وروي أنه ◙ فعل ذلك، وادعى الداودي فيه الإجماع.
          واختلف فيما إذا سرق ثالثة بعد أن قطع في الأولى يده اليمنى، وفي الثانية الرجل اليسرى، فقال أبو حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين: لا يقطع أكثر من يد ورجل، ولكن يحبس ويغرم السرقة. والرواية الأخرى عن أحمد: يقطع في الثالثة والرابعة. وهو مذهب مالك والشافعي في الثالثة يسرى يديه، وفي الرابعة يمنى رجليه، فيصير مقطوع الأربعة، روي هذا عن الصديق وعمر وعثمان، ومن التابعين عروة والقاسم وسعيد بن المسيب وربيعة، والأول هو قول الثوري أيضاً والأوزاعي، وروي عن علي، وهو قول النخعي والشعبي والزهري.
          وقال عطاء وبعض أهل الظاهر: لا يجب أن يقطع شيء من الأطراف إلا الأيدي دون الرجل، واحتج عطاء بقوله تعالى: {فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:38] ولو شاء أمر بالرجل {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم:64] (6).
          وحجة الكوفيين ما رواه إسماعيل بن جعفر، عن أبيه أن عليًّا كان لا يريد أن يقطع للسارق يداً ورجلا، وإذا أتي به بعد ذلك قال: إني لأستحي أن لا يتطهر للصلاة، ولكن أمسكوا كلبه عن المسلمين بالسجن وأنفقوا عليه من بيت المال.
          والحجة لمالك والشافعي أن أهل العراق والحجاز يقولون بجواز قطع الرجل بعد اليد وهم يقرءون: {فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:38] وهذه المسألة تشبه المسح على الخفين وهم يقرون غسل الرجلين أو مسحهما، ويشبه الجزاء في قتل الصيد الخطأ، وهم يقرءون: {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا} [المائدة:95] ولا يجوز على الجمهور تحريف الكتاب ولا الخطأ في تأويله، وإنما قالوا ذلك بالسنة الثابتة والأثر المتبع.
          وقال إسماعيل بن إسحاق: لما قال تعالى: {فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:38] فأجمعوا أن يده تقطع، ثم إن سرق بعد ذلك قطع، ثم إن سرق بعد ذلك قطع منه شيء آخر دل على أن المذكور في القرآن إنما هو على أول حكم يقع عليه في السرقة، وأنه إن سرق بعد ذلك أعيد عليه الحكم، كالحد إذا زنى وهو بكر، فإذا أعاد الزنا أعيد عليه الحد(7)، فلما صح هذا وجب عليه أن يقطع أبداً حتى لا تبقى له يد ولا رجل، كما يجلد أبداً حتى لا يبقى فيه موضع جلد، وقال بعضهم: إنما فهم السلف قطع أيدي السراق وأرجلهم من خلاف من آية المحاربين.
          وقول قتادة في امرأة سرقت فقطع شمالها: ليس إلا ذلك. هو قول مالك إذا قطع الشمال غلطاً مع وجود اليمين.
          وقال ابن الماجشون: لا يجزئ ذلك. قال: وليس خطأ السلطان / بالذي يزيل القطع عن العضو الذي أوجبه الله، وتقطع اليمين وتكون الشمال في مال السلطان يخاص به إن كان الدين، أو في مال القاطع دون عاقلته قال: وإليه رجع مالك.
          وإذا قطعت اليسرى ثم سرق ثانية فقال ابن القاسم: تقطع رجله اليمنى لتكون من خلاف.
          وعن مالك وأبي حنيفة: إذا غلط القاطع فقطع اليسرى أنه يجزئ عن قطع اليمنى، ولا إعادة عليه.
          وعن الشافعي وأحمد: على القاطع المخطئ الدية، وفي وجوب إعادة القطع قولان عند الشافعي وروايتان عن أحمد.
          فروع:
          إذا ادعى السارق الملكية، وهو السارق الطريف لا قطع عندنا، وعند أبي حنيفة خلافاً لمالك، وعن أحمد روايات أظهرها: لا، وثانيها: نعم، ثالثها: إن كان معروفاً بالسرقة قطع وإلا فلا. وعندنا يتوقف القطع على مطالبة المالك، وبه قال أبو حنيفة وأحمد في أظهر روايتيه خلافاً لمالك وأحمد في الأخرى.
          واختلف فيمن قتل رجلاً في داره وقال: دخل علي ليأخذ مالي ولم يندفع إلا بالقتل. فقال أبو حنيفة: لا قود عليه إذا كان الداخل معروفاً بالفساد وإلا فالقود.
          وقال مالك وأحمد: عليه القود إلا أن يأتي البينة. قال مالك: إن كان مشهوراً بالتلصص والحرابة قتل وسقط عنه القود.
          قالت طائفة: لا قطع حتى يقر مرتين، وهو قول ابن أبي ليلى ويعقوب وأحمد وإسحاق.
          وقال عطاء والثوري والنعمان ومحمد والشافعي وأبو ثور: يجب بمرة واحدة.
          ولو كان مريضاً أخر الحد عنه عند مالك والشافعي وأبي حنيفة ومحمد إذا خيف عليه، وكذا الحر والبرد، وخالف أحمد وإسحاق فيه، احتجاجاً بأن عمر جلد قدامة وهو مريض، وقال: أخشى أن يموت، وبه قال أبو ثور.
          الشمال جمعه: أشمل مثل أذرع، وشمائل على غير قياس، والشمال مؤنثة.
          والمجن والجحفة والترس واحد، تطارق بين جلدتين ويجعل منها جحفة.
          قوله: (في مجن ثمنه ثلاثة دراهم) هي لغة. واللغة الثانية: الثلاثة الدراهم، والثالثة: الثلاثة دراهم.


[1] في المخطوط ((البيهقي)) ولعل الصواب ما أثبتناه.
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: قول الشافعية أنه لا يجوز في أقل من ثلاثة دراهم وقول الكوفيين أنه قطع في عشرة ليس فيه ما يدل على أنه لا يقطع في أقل من ذلك فإن الحديث قد صح أنه قطع في ثلاثة دراهم)).
[3] في هامش المخطوط: ((أقول: لأن الزوجة لها حق في مال الزوج بخلاف العكس)).
[4] في هامش المخطوط: ((أقول: يرد عليهما القتل فإن جماعة لو قتلوا واحداً يجب على الكل القتل فهنا كان القياس أن يقطع الكل)).
[5] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: جعل ثقب الحائط لا يوجب القطع وإذا دخل إلى البيت داخل وهو مثقوب فتصدق عليه أنه ليس حرزاً لأن البيت أخرجه عن كونه حرزاً فكان الظاهر أن لا يقطع الذي أخرج المتاع من البيت المثقوب)).
[6] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: كيف نشأ هذا الخلاف وقد قطع صلعم يد السارق وهو أنه يقطع من الكوع أو من الإبط أو من وسط الكف؟ قلت: هو كقضية الحج فإنه حج واحدة وحصل الخلاف)).
[7] في هامش المخطوط: ((فإن قلت: من أين أتى الشيء الآخر بعد اليد هو الرجل لم لم يكن عضو آخر؟)).