مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الضرب بالجريد والنعال

          ░4▒ باب الضرب بالجريد والنعال
          فيه حديث عقبة أيضاً أنه ◙ أتي بالنعيمان أو بابن النعيمان الحديث.
          وحديث أنس السالف.
          وحديث أبي هريرة قال: أتي النبي صلعم برجل قد شرب، قال: ((اضربوه)). وقال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده.. الحديث.
          وحديث عمير بن سعيد النخعي كذا رواه أبو علي بن السكن، وأبو أحمد وهو الصواب، وقاله أبو زيد: سعد بغير ياء. وهو أبو يحيى النخعي، روى له (خ) (م) أيضاً، مات سنة خمس عشرة ومائة: سمعت علي بن أبي طالب يقول: ما كنت لأقيم حدًّا على أحد فيموت فأجد في نفسي، إلا شارب الخمر، فإنه لو مات وديته، وذلك أن رسول الله لم يسنه.
          وحديث السائب بن يزيد قال: كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله وإمرة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى كان آخر إمرة عمر، فجلد أربعين، حتى إذا عتوا وفسقوا حده ثمانين.
          وفي (م) في حديث أنس: فلما كان عمر دنا الناس من الريف والقرى، قال: ما ترون في جلد الخمر؟ فقال عبد الرحمن ابن عوف: أرى أن يجعله كأخف الحدود، قال: فجلد عمر ثمانين.
          وفي رواية: أنه ◙ كان يضرب في الخمر بالجريد والنعال أربعين، وللبيهقي: أتي النبي صلعم برجل قد سكر، فأمر عشرين رجلاً فجلده كل رجل جلدتين بالنعال والجريد.
          وفي رواية لأبي داود في حديث أبي هريرة، فقال ◙: ((بكتوه)) فأقبلوا عليه يقولون له: أما اتقيت الله، أما خشيت الله، أما استحييت من رسول الله وفي رواية: ((ولكن قولوا اللهم اغفر له، اللهم ارحمه)).
          وللبيهقي: لما أرسل خالد إلى عمر: إن الناس قد انهمكوا في الخمر، وتحاقروا العقوبة، فقال علي: نراه إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وعلى المفتري ثمانون، قال: فأمر بها عمر. قال: وكان عمر إذا أتي بالرجل الضعيف الذي كانت منه الزلة ضربه أربعين. قال: وجلده عثمان أيضاً ثمانين وأربعين، وفي رواية قال علي: هو شيء ضيعناه(1).
          وروى الشافعي، عن معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن أزهر قال: أتي رسول الله بشارب، فقال: ((اضربوه)) فضربوه بالأيدي والنعال وأطراف الثياب، وحثوا عليه التراب، وقال ◙ ((بكتوه)) فبكتوه ثم أرسله.
          قال: فلما كان أبو بكر سأل / من حضر ذلك المضروب، فقومه أربعين، فضرب أبو بكر في الخمر أربعين حياته، حتى تتابع الناس في الخمر، فضربه ثمانين.
          وروى (ن) من حديث ابن جريج قال: قلت لعطاء: أخبرني محمد بن علي بن ركانة، عن عكرمة، عن مولاه أنه ◙ لم يؤقت في الخمر حدًّا.
          روى ابن عمر ونفر من الصحابة مرفوعاً: ((من شرب الخمر فاجلدوه، ثم شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاقتلوه)) وعند (د): القتل في الخامسة.
          ولأبي حاتم من حديث ابن لهيعة، عن أبي سليمان مولى أم سلمة، عن أبي اليزيد البلوي: أن رجلاً شرب الخمر أربع مرات، فأمر به ◙ فضربت عنقه.
          واختلف في حد الخمر كم هو؟ فذهب مالك وأصحابه وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والكوفيون وجمهور العلماء إلى أن حد الخمر ثمانون جلدة.
          وقال الشافعي وأبو ثور وأهل الظاهر، ونقله ابن عبد البر عن أكثر أهل الظاهر: حده أربعون. وعن أحمد روايتان كالمذهبين، وما نقلناه عن الجمهور هو ما ذكره ابن بطال وابن التين، وقال أبو عمر أيضاً: إنه قول الجمهور من علماء السلف والخلف.
          قال: وهو أحد قولي الشافعي، وهو قول الأوزاعي وعبيد الله بن الحسن والحسن بن حي وإسحاق وأحمد.
          وروى مسدد، بسنده وفيه الداناج عن علي قال: جلد رسول الله في الخمر أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وكملها عمر ثمانين، وكل سنة.
          واحتج أهل المقالة الأولى، فقالوا: حديث الداناج غير صحيح، وأنكروا أن يكون علي قال من ذلك شيئاً؛ لأنه قد روي عنه ما يخالف ذلك ويدفعه، وبحديث (خ) في الباب، وذلك أنه ◙ لم يسنه، أي لم يسن فيه شيئاً إنما قلناه نحن.
          وفي قوله: (ما كنت لأقيم الحد على أحد فيموت فأجد منه في نفسي) حجة لابن الماجشون ومن وافقه أن الحاكم لا قود عليه إذا أخطأ في اجتهاده، ويؤيد هذا أن أسامة قتل رجلاً قال: لا إله إلا الله، ثم أتى الشارع فأخبره بذلك، فلم يزد أن وبخه ولم يأمره بالدية، ولم يأخذها منه لاجتهاده وتأويله في قتله، وسيأتي اختلاف العلماء في المسألة في كتاب: الأحكام.
          وفي حديث النعمان حجة على أن الحد يقام في حال السكر، ولا يؤخر للصحو؛ لأنه ◙ أمر من في البيت أن يضربوه ولم يؤخره إلى أن يصحو، وجمهور العلماء على خلاف هذا يؤخر إلى الصحو، وهو قول مالك والشافعي والثوري والكوفيين قالوا: لأن الحد إنما وضعه الله للتنكيل وليألم المحدود ويرتدع، والسكران لا يعقل ذلك، فغير جائز أن يقام على من لا يحس به ولا يعقل.
          النعيمان تصغير نعمان بن عمرو بن رفاعة بن الحارث بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار، شهد العقبة مع السبعين وبدراً وأحداً والخندق وسائر المشاهد، وأتي به إلى رسول الله في شرب الخمر فجلده، ثم أتي به فجلده، ثم أتي به فجلده أربعاً أو خمساً، فقال رجل: اللهم العنه ما أكثر ما يشرب وأكثر ما يجلد، فقال ◙: ((لا تلعنه؛ فإنه يحب الله ورسوله)) وكان صاحب مزاح.
          قال ابن الكلبي: كان ◙ إذا نظر إلى نعيمان أن يتمالك نفسه أن يضحك، واشترى نعيمان يوماً بعيراً فنحره ولم يعط ثمنه، فجاء صاحبه يشكوه إلى رسول الله صلعم، فقال ◙: ((اذهبوا بنا نطلبه)) فوجده، فقال ◙: ((هذا نعيمان)) لصاحب البعير، فقال نعيمان: لا جرم، لا يغرم البعير غيرك، فغرمه ◙ عنه، مات في خلافة معاوية وليس له عقب.
          وفي قول علي فيمن مات في حد الخمر: وديناه، دليل بين على أنهم لم يجتمعوا على الثمانين حدًّا، إذ لو كانوا وقتوه بها لم تجب فيمن مات منه دية، وإنما أراد والله أعلم عندنا إذا مات في الأربعين الزائدة.
          وقوله: (إنه لم يسنه) يعني: لم يسن فوق الأربعين أو لم يسن ضربه بالسياط، وقد سنه بالجريد والنعال وأطراف الثياب، ونحن هكذا نقول، لا نخالف منه شيئاً بتوفيق الله.
          وروى ابن أبي شيبة من حديث يزيد بن هارون، بسنده عن أبي سعيد الخدري أنه ◙ ضرب في الخمر بنعلين أربعين، فجعل عمر مكان كل نعل / سوطاً، وروى وكيع عن مسعر، بسنده عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلعم أنه ضرب في الخمر أربعين.
          فصل
          ينعطف على قتل الشارب في الرابعة أو الخامسة، ذكر الحازمي في ((ناسخه)) من حديث أبي هريرة في قتله في الرابعة قال: فحدثت به ابن المنكدر فقال: قد ترك ذلك، أتي رسول الله بالنعيمان فجلده ثلاثاً، ثم أتي به الرابعة فجلده، ولم يزد.
          قلت: وقول الصحابي ما أكثر ما يؤتى به يقتضي العدد، وأخرج (ن) من حديث زياد البكالي، بسنده عن جابر، وذكر حديث في الرابعة ((فاضربوا عنقه)) فضرب رسول الله النعيمان أربع مرات، فرأى المسلمون أن الحد قد وقع، وأن القتل قد رفع.
          ثم ساق الحازمي من حديث الشافعي: إلى ابن عيينة، عن ابن شهاب، عن قبيصة بن ذؤيب يرفعه إلى رسول الله صلعم قال: ((إن شرب فاجلدوه)) وفي الرابعة: ((فإن شرب فاقتلوه)) قال: فأتي برجل فجلده، تم أتي به الثانية فجلده، ثم أتي به الرابعة فجلده ووضع القتل، وكانت رخصة، ثم قال الزهري لمنصور بن المعتمر: ويحول كونا وافدي أهل العراق بهذا الحديث. قال الشافعي: والقتل منسوخ بهذا الحديث وغيره، وهذا ما لا اختلاف فيه عند أحد من أهل العلم علمته.
          وقال الطحاوي: ثبت بهذا أن القتل منسوخ، وقال الخطابي: قد يرد الأمر بالوعيد ولا يراد به وقوع الفعل، وإنما يقصد به الردع والتحذير، كقوله ◙: ((من قتل عبده قتلناه، ومن جدع عبده جدعناه)) وهو لو قتل عبده أو جدعه لم يقتل به، ولم يجدع بالاتفاق.
          قلت: حكى ابن المنذر أن النخعي قال: يقتل السيد بعبده، واختلف عن سفيان في ذلك، قال الخطابي: ويحتمل أن يكون القتل في الخامسة واجباً، ثم نسخ بحصول الإجماع من الآية أن لا يقتل.
          قلت: حكي عن بعض التابعين، وفي ((المحلى)): أن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال: ائتوني برجل أقيم عليه الحد في الخمر، فإن لم أقتله فأنا كذاب.
          وأجمعوا على أن ما سلف من كون الحد ثمانين أو أربعين هو في الحر، والعبد على نصفه، وقال ابن عبد البر عن أبي ثور وداود وأكثر أهل الظاهر: أربعون على الحر والعبد، قال: وقال الشافعي: أربعون على الحر وعلى العبد نصفها.
          واختلف إذا مات في ضربه على أقوال: لا ضمان على الإمام والحق قتله، قاله مالك وأحمد. وعن الشافعي: لا ضمان قطعاً وإن كان ضربه بالسوط ضمن، وفي صفة ما يضمن وجهان، أحدهما: جميع الدية. والثاني: لا يضمن الإمام إلا ما زاد على ألم النعال.
          وعنه أيضاً: إن ضرب بالنعال وأطراف الثياب ضرباً يحيط العلم أنه لا يبلغ أربعين أو يبلغها ولا يتجاوزها، فمات فالحق قتله، فإن كان كذلك فلا عقل ولا قود ولا كفارة على الإمام، وإن ضربه أربعين سوطاً فمات فديته على عاقلة الإمام دون بيت المال.
          ولو أقر بشرب الخمر ولم يوجد منه ريح، فقال أبو حنيفة: لا يحد. وقال الباقون: يحد، فإن وجد منه ريح ولم يقر فلا حد خلافاً لمالك.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: جاء في حديث الشارب قال الصحابة: أخزاه الله قال: لا تعينوا عليه الشيطان وقال في حد الجارية الزانية فليحدها ولا يثرب وهنا قال بكتوه لا بد من جمع بينهما)).