مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب لعن السارق إذا لم يسم

          ░7▒ باب لعن السارق إذا لم يسم
          فيه حديث أبي هريرة، عن النبي صلعم قال: ((لعن الله السارق)) الحديث وسلف قريباً.
          واحتجت به الخوارج على عدم اعتبار النصاب، وأنه يقطع في قليل الأشياء وكثيرها، ولا حجة لهم فيه؛ لأن آية السرقة لما نزلت قال ◙: ((لعن الله السارق..)) إلى آخره على آخر ما نزل عليه في ذلك الوقت.
          ثم أعلمه أن القطع لا يكون إلا في ربع دينار فما فوقه، على ما روته عائشة كما يأتي، ولم يكن ◙ يعلم من حكم الله إلا ما علمه الله، ولذلك قال: ((أوتيت الكتاب ومثله معه)) يعني من السنن، قاله ابن قتيبة.
          وقول الأعمش: البيضة هنا: بيضة الحديد التي تعفر الناس في الحرب. والحبل: من حبال السفن، تأويل لا يجوز عند من يعرف صحيح كلام العرب؛ لأن كل واحد من هذين يساوي دنانير كثيرة.
          وفي الدارقطني: من حديث أبي خباب الدلال، بسنده عن علي، عن رسول الله أنه قطع في بيضة من حديد قيمتها أحد وعشرون درهماً.
          وهذا ليس موضع تكثير لما سرقه السارق، ولا من عادة العرب والعجم أن يقولوا: قبح الله فلاناً عرض نفسه للضرب في عقد جوهر، وتعرض للعقوبة بالغلول في جراب مسك، وإنما العادة في مثل هذا أن يقال: لعنه الله تعرض لقطع اليد في حبل رث، أو كبة شعر أو رداء خلق، وكل ما كان من هذا الفن أحقر فهو أبلغ.
          وقال الخطابي: إن ذلك من باب التدريج؛ لأنه إذا استمر ذلك به لم يؤمن أن يؤديه ذلك إلى سرقة ما فوقها حتى يبلغ فيه القطع فتقطع يده، فليحذر هذا الفعل وليتركه قبل أن تملكه العادة ويموت عليها ليسلم من سوء عاقبته(1).
          وقال الداودي: ما قاله الأعمش محتمل، وقد يحتمل أن يكون هذا قبل أن يبين الشارع القدر الذي يقطع فيه السارق.
          قوله في الترجمة باب لعن السارق إذا لم يسم. كذا في جميع النسخ، والذي يسبق من معناه إن صح في الترجمة أنه لا ينبغي تعيير أهل المعاصي ومواجهتهم باللعنة، وإنما ينبغي أن يلعن في الجملة من فعل فعلهم؛ ليكون ذلك ردعاً وزجراً عن انتهاك شيء منها، فإذا وقعت من معين لم يلعن بعينه؛ لئلا يقنط أو ييأس، ولنهي الشارع عن لعن النعيمان.
          قال ابن بطال: فإن كان ذهب (خ) إلى هذا فهو غير صحيح؛ لأن الشارع إنما نهى عن لعنه بعد إقامة الحد عليه، فدل على الفرق بين من تجب لعنته، وبين من لا تجب، وبان به أنه من أقيم عليه الحد لا ينبغي لعنته، ومن لم يقم عليه فاللعنة متوجهة إليه، سواء سمي وعين أم لا؛ لأنه ◙ لا يلعن إلا من تجب عليه اللعنة، ما دام على تلك الحالة الموجبة لها، فإذا تاب / منها وطهره الحد فلا لعنة تتوجه إليه، ويبين هذا قوله ◙ ((إذا زنت الأمة فليجلدها ولا يثرب))، فدل أن التثريب واللعن إنما يكون قبل أخذ الحدود وقبل التوبة.
          وقال الداودي: قوله ((لعن الله السارق)) يحتمل الخبر؛ ليزدجر الناس، ويحتمل الدعاء.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: ويمكن أن يقال أن بيضة العرب كانت صغيرة وتساوي شيئاً قليلاً ويكون على باب التقليل ألا ترى ما رواه الدارقطني آنفاً)).