مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: لا يشرب الخمر

          ░1▒ بابٌ: لا يُشْرَبُ الخَمْرُ
          وقال ابن عباس: ينزع منه نور الإيمان.
          ثم ساق حديث أبي هريرة: ((لا يزني الزاني حين يزني)) الحديث، وسلف في المظالم.
          قال الطبري: اختلف من قبلنا في معنى هذا الحديث، فأنكر بعضهم أن يكون الشارع قاله.
          قال عطاء: اختلفت الرواية في أداء لفظ الشارع بذلك، فقال محمد بن زيد بن واقد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب: وسئل عن تفسير هذا الحديث فقال: إنما قال رسول الله: ((لا يزنين مؤمن ولا يسرقن مؤمن))، وقال آخرون: عني بذلك: لا يزني وهو مستحل له غير مؤمن بتحريم الله تعالى ذلك عليه، فأما إن فعله معتقداً تحريمه فهو مؤمن، روي ذلك عن عكرمة، عن مولاة ابن عباس، وحجته حديث أبي ذر مرفوعاً: ((من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، وإن زنى وإن سرق)) وقال آخرون: أراد أن لا يكون في ذلك الحال كاملاً لشرائط الإيمان.
          وقال آخرون: ينزع منه الإيمان / فيزول عنه اسم المدح الذي يسمى به الأولياء، ويستحق اسم الذم الذي يسمى به المنافق، فيوسم به، ويقال له: منافق وفاسق، روي هذا عن الحسن قال: النفاق نفاقان: تكذيب بالشارع فلا يغفر، ونفاق خطايا وذنوب ترجى لصاحبها.
          وعن الأوزاعي: كانوا لا يكفرون أحداً بذنب ولا يشهدون على أحد بكفر، ويتخوفون نفاق الأعمال على أنفسهم.
          وثنا الزهري، عن عروة أنه قال لابن عمر: الرجل يدخل منا على الإمام فنراه يقضي بالجور فيسكت، وينظر إلى أحدنا فيثني عليه بذلك، فقال عبد الله: أما نحن معاشر أصحاب رسول الله فكنا نعدها نفاقاً، فلا أدري كيف تعدونه.
          وعن حذيفة أنه سئل: من المنافق؟ قال: الذي يتكلم بالإسلام ولا يعمل به.
          وحجة هذا القول: أن النفاق إنما هو إظهار المرء بلسانه قولاً يبطن خلافه كنافقاء اليربوع التي تتخذه كي إن طلب الصائد من قبل مدخل قصع من خلافه.
          فمن لم يجتنب الكبائر من أهل التوحيد، علمنا أن ما ظهر من الإقرار بلسانه خداع للمؤمنين فاستحق اسم النفاق، ويشهد لذلك قوله ◙: ((ثلاث من علامات المنافق: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان)) والزنا والسرقة وشرب الخمر أدل على النفاق من هذه الثلاث. وقال آخرون: إذا أتى المؤمن كبيرة نزع منه الإيمان، وإذا فارقها عاد إليه.
          روي عن أبي الدرداء: قال عبد الله بن رواحة قال: إنما مثل الإيمان مثل قميص بينا أنت قد نزعته إذ لبسته، وبينا أنت قد لبسته إذ نزعته.
          وعن يزيد بن أبي حبيب، عن سالم بن عمر، سمع أبا أيوب يقول: إنه لتمر على المرء ساعة وما في جلده موضع إبرة من إيمان، وتمر به ساعة وما في جلده موضع إبرة من نفاق. وعلى هذه المقالة أن الإيمان هو التصديق، غير أن للتصديق معنيان: قول وعمل، فإذا ركب كبيرة فارقه اسم الإيمان، فالإيمان التصديق الذي هو الإقرار، والعمل الذي هو اجتناب الكبائر، وإذا كف عاد إليه؛ لأنه مجتنب ومصدق. وقيل هو على المقاربة؛ أي: يكاد من عظيم أن يقاربه، والشيء يسمى باسم ما قاربه، قال تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} [البقرة:234] أي: قاربن، وقيل معنى مؤمن: أمن من عذابه.
          وقال بعض الخوارج والرافضة والإباضية هم نوع من الخوارج: من فعل شيئاً من ذلك فهو كافر خارج من الإيمان؛ لأنهم يكفرون المؤمن بالذنوب ويوجبون عليه التخليد في النار بالمعاصي، ومن حجتهم ظاهر حديث الباب: ((لا يزني وهو مؤمن)).
          وقال أبو هريرة: الإيمان فوقه هكذا، فإن هو تاب راجعه الإيمان، وإن أصر ومضى فارقه.
          وقال أبو صالح، عنه: ينزع منه فإن تاب رد عليه، قالوا: ومن نزع منه الإيمان فهو كافر؛ لأنه لا منزلة بين الإيمان والكفر، ومن لم يكن مؤمناً فهو كافر، وجماعة أهل السنة وجمهور الأمة على خلافهم.
          وحجة أهل السنة: أن ابن عباس قد بين حديث أبي هريرة، وقال: إن العبد إذا زنى نزع منه نور الإيمان لا الإيمان. كذا أخرجه الطبري من حديث شريك بسنده، عن مجاهد، عنه مرفوعاً: ((من زنى نزع الله نور الإيمان من قلبه، فإن شاء أن يرده عليه رده)).
          قال الطبري: والصواب عندنا قول من قال: يزول عنه الاسم الذي هو بمعنى المدح إلى الاسم الذي هو بمعنى الذم، فيقال له: فاجر، فاسق، زان سارق، ولا خلاف بين جميع الأمة أن ذلك من أسمائه ما لم يتب، ويزول عنه اسم الإيمان بالإطلاق والكمال بركوبه ذلك ويتنبه له بالتقييد فنقول: هو مؤمن بالله ورسوله مصدق قولاً، ولا نقول مطلقاً: هو مؤمن إذ كان الإيمان عندنا / معرفةً قولاً وعملاً فلما لم يأت بها كلها استحق التسمية بالإيمان على غير الإطلاق والاستعمال له.
          ومعنى نزع الإيمان: نزع بصيرته في الطاعة؛ لغلبة الشهوة عليه، فكأن تلك البصيرة نور طفته الشهوة من قلبه، يشهد له قوله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14].
          وقد سلف شيء من هذا المعنى في الإيمان في باب: علامات المنافق، وفي العلم في باب: من خص بالعلم قوماً. وسيأتي عنه: أنه ينزع هكذا، وشبك بين أصابعه، ثم أخرجها، فإن تاب عاد إليه هكذا، وشبك بين أصابعه، ومما يوضح تأويل أهل السنة السالف إيجاب الحد على البكر على نمط، وعلى الثيب على نمط، والعبد على نمط، فلو كان كله كفراً لكان فيه حد واحد وهو حد الكفر، فلما كان الواجب فيهما من العقوبة مختلفا دل أنهما شيئان، وأنه ليس بكافر.
          وقال طاوس: يبقى الإيمان كالظل.
          وفي حديث أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري يرفعه، قال: هذا نهي يقول حين هو مؤمن فلا يفعل الزنا ولا السرقة.