مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: الحدود كفارة

          ░8▒ باب الحدود كفارة
          فيه حديث عبادة بن الصامت قال: كنا عند رسول الله في مجلس فقال: ((بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا،)) الحديث وسلف.
          وللدارقطني: ((ومن أصاب من ذلك شيئاً فأقيم عليه الحد في الدنيا فهو له طهور، ومن ستره الله فذلك إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له)).
          ومن حديث علي مرفوعاً: ((من أذنب في هذه الدنيا ذنباً فعوقب به فالله أكرم من أن يثني عقوبة على عبده، ومن أذنب في هذه الدنيا ذنباً فستره الله عليه وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود في شيء قد عفى عنه)).
          وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن الحدود كفارة على حديث الباب، وما ذكرناه.
          ومنهم من يجبن عن هذا لما روى أبو هريرة، عن رسول الله قال: ((لا أدري الحدود كفارة أم لا)) وليس جيِّداً؛ لأن حديث عبادة أصح من جهة الإسناد، ولو صح حديث أبي هريرة لأمكن أن يقوله قبل حديث عبادة، ثم يعلمه الله أنها مطهرة على ما في حديث عبادة.
          فإن قلت: إن المجاز به يعارض حديث عبادة، وهو قوله تعالى: {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا} [المائدة:33] يعني: الحدود، {وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة:33] فدلت أن الحدود ليست كفارة.
          والجواب أن الوعيد في المجاز به عند جميع المؤمنين مرتب على قوله: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} الآية [النساء:48] فتأويل الآية، إن شاء الله ذلك لقوله: {لِمَن يَشَاء} [النساء:48] وهذه الآية تبطل نفاذ الوعيد على غير أهل الشرك، إلا أن ذكر الشرك في حديث عبادة مع سائر المعاصي لا يوجب أن من عوقب في الدنيا وهو مشرك، أن ذلك كفارة له؛ لأن الأمة مجمعة على تخليد الكفار في النار، وبذلك نطق الكتاب والسنة، وقد سلف هذا المعنى في كتاب الإيمان في باب علامة الإيمان حب الأنصار فحديث عبادة معناه الخصوص فيمن أقيم عليه الحد من المسلمين خاصة أن ذلك كفارة له.