مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان

          ░12▒ باب كراهية الشفاعة في الحد، إذا رفع إلى السلطان
          فيه حديث عائشة في قصة المخزومية التي سرقت، وقد ذهب جماعة من العلماء إلى أن الحد إذا بلغ الإمام أنه يجب عليه إقامته؛ لأنه قد تعلق بذلك حق الله تعالى، فلا تجوز الشفاعة فيه؛ لإنكاره ذلك على أسامة، وذلك من أبلغ النهي، ثم قام ◙ خطيباً فحذر أمته من الشفاعة في الحدود إذا بلغت إلى الإمام.
          فإن قلت: فقد قال مالك وأبو يوسف والشافعي: إن القذف إذا بلغ إلى الإمام يجوز للمقذوف العفو عنه إن أراد ستراً. قيل له: إن هذه شبهة يجوز بها درأ الحد؛ لأنه إن ذهب الإمام إلى حد القاذف حتى أن يأتي بالبينة على صدق ما قال فيسقط الحد عنه، وربما وجب على المقذوف، تفويت الشبهة في ذلك، وقد قال مالك في القطع في ((المدونة)): يجوز وإن بلغ الإمام وإن لم يرد ستراً، وقال مرة أيضاً: إنه لا يجوز عفوه إذا بلغ الإمام وهو قول أبي حنيفة والثوري والأوزاعي: وهو أشبه بظاهر الحديث.
          وأجاز أكثر أهل العلم الشفاعة في الحدود قبل وصولها إلى الإمام، روي ذلك عن الزبير بن العوام، وابن عباس، وعمار، ومن التابعين سعيد بن جبير والزهري، وهو قول الأوزاعي.
          وكره ذلك طائفة فقال ابن عمر: من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في حكمه.
          وفرق مالك بين من لم يعرف منه أذى للناس، فقال: لا بأس أن يشفع له ما لم يبلغ الإمام، وأما من عرف بشر وفساد في الأرض فلا أحب أن يشفع له أحد، ولكن يترك حتى يقام عليه الحد.
          قال الشيخ أبو إسحاق: إذا كان ذلك في حق من حقوق الله، وأما حقوق الآدميين فلا تسقط إلا برضا صاحبها، قال ابن المنذر: واحتج من رأى الشفاعة مباحة قبل الوصول بحديث الباب؛ لأنه ◙ إنما أنكر شفاعة أسامة في حد قد وصل إليه وعلمه.
          وفي هذا الحديث بيان / رواية معمر، عن الزهري أن امرأة مخزومية كانت تستعير المتاع وتجحده، فأمر ◙ بقطع يدها، وقد تعلق به قوم فقالوا: من استعار ما يجب القطع فيه، وجحده فعليه القطع، هذا قول أحمد وإسحاق وخالفهم المدنيون والكوفيون والشافعي وجمهور العلماء فقالوا: لا قطع عليه، حجتهم رواية الكتاب التي سرقت، فدل أنها لم تقطع على العارية، يوضحه قوله: ((لو أن فاطمة بنت محمد سرقت)).
          قال ابن المنذر: وقد يجوز أن تستعير المتاع وتجحده، ثم سرقته فوجب القطع للسرقة.
          وإذا اختلفت الآثار وجب الرجوع إلى النظر، ووجب رد ما اختلف فيه إلى كتاب الله، وإنما أوجب الله القطع على السارق لا على المستعير.
          وروى (ن): فأمر بلالاً فأخذ بيدها فقطعها فكانت تستعير متاعاً على ألسنة جاراتها وتجحده، وفي رواية: استعارت على ألسنة أناس يعرفون وهي لا تعرف حليًّا فباعته وأخذت ثمنه.
          وفي ((المصنف)): عن ابن نمير، بسنده عن عائشة بنت مسعود بن الأسود قال: لما سرقت المرأة القرشية تلك القطيفة من بيت رسول الله أعظمنا ذلك، فجئنا رسول الله نكلمه فقلنا: نحن نفديها بأربعين أوقية، قال: ((تطهر خير لها)) فلما سمعنا قوله أتينا أسامة فقلنا: كلم لنا رسول الله.. الحديث.
          وهذه المرأة هي فاطمة بنت أبي الأسد أو أبي الأسود ابنة أخي عبد الله بن عبد الأسد زوج أم سلمة.
          رويناه عن أبي زكريا يحيى بن عبد الرحيم، عن عبد الغني بن سعيد الحافظ.
          وفي كتاب ((المثالب)) عن الهيثم بن عدي: هي أم عمرو بنت سفيان بن عبد الأسد وأمهـ[ا] ابنة عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر من بني عامر بن لؤي بن غالب، خرجت تحت الليل فوقعت بركب بجانب المدينة فأصابت عيبة لبعضهم فأخذت، فأتي بها رسول الله فعاذت بحقوي أم سلمة، فأمر بها فقطعت يدها عن حقوي أم سلمة، فلما قطعت خرجت ويدها تقطر دماً، حتى دخلت على امرأة أسيد بن حضير فرحمتها وصنعت لها طعا[ماً]، فجاء أسيد فقال لامرأته قبل أن يدخل: يا فلانة هل علمت ما أصاب أم عمرو بنت سفيان؟ فقالت: ها هي ذه عندي، فرجع أدراجه فأخبر النبي صلعم فقال: ((رحمتها رحمها الله)) فلما رجعت إلى أبيها سفيان، فقال: اذهبوا بها إلى حويطب بن عبد العزى أخوالها فإنها أشبهتهم.
وكان أبوها سفيان ينادي                     على طعام ابن جدعان
          قال أمية:
له داع بمكة مشمعل                     وآخر فوق دارته ينادي
          قال الكلبي: المشمعل: هو سفيان بن عبد الأسد. وروى أبو موسى المديني في ((الصحابة)) من حديث عمار، عن شقيق قال: سمعت فاطمة بنت أبي الأسود بنت أخي أبي سلمة أنها قالت: سرقت امرأة من قريش فأراد أن يقطعها، فكلموا أسامة أن يكلم رسول الله فقال.. الحديث.
          قال أبو موسى: وكان الأول يعني ما ذكرناه من عند عبد الغني أصح؛ لأن أبا بكر بن ثابت ذكره أيضاً كذلك.
          قلت: ويجوز أن تكون في الثانية عبرت عن نفسها ولم تفصح، ومثله ما نقله أبو سعيد الخدري لما روى حديث الرقية وهو الراقي، قال فيه: فقال رجل: أنا أرقي.
          وسماها أبو عمر فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد.
          وقال ابن قتيبة في ((معارفه)): هي أول امرأة قطعت يدها في السرقة، وسمى أباها سفيان بن عبد الأسد / .