مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب من قال الأضحى يوم النحر

          ░5▒ باب من قال: الأضحى يوم النحر
          فيه حديث أيوب، عن محمد، عن ابن أبي بكرة، عن أبي بكرة، عن النبي صلعم قال: ((الزمان قد استدار)) الحديث وسلف في الحج.
          و(ابن أبي بكرة) اسمه عبد الرحمن أول مولود ولد بالبصرة، وأبو بكرة اسمه نفيع بن مسروح وقد سلف غير مرة.
          واختلف في أيام الأضحى مع إجماعهم، كما قال ابن عبد البر في ((استذكاره)): إن الأضحى بعد انسلاخ ذي الحجة على أقوال:
          1- يوم النحر ويومان بعده، وهو قول مالك وأبي حنيفة وأصحابه والثوري وأحمد، وروي ذلك عن عمر وعلي وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأنس ذكره ابن القصار، وعبارة ابن حزم في إيراد أثر علي: يوم النحر ثلاثة أيام أفضلها أولها.
          2- كذلك وزيادة يوم آخر فصارت أربعة، وهو قول عطاء والحسن البصري والأوزاعي والشافعي وأبي ثور، وروي ذلك عن علي وابن عباس قالا: أيام النحر: الأيام المعلومات.
          وعبارة ابن حزم عن ابن عباس: الأيام المعلومات: يوم النحر وثلاثة أيام بعده. وقال عطاء: النحر أربعة أيام إلى آخر التشريق. وقال الحسن / : النحر يوم النحر وثلاثة أيام بعده، حكى هذا كله ابن حزم، قال ابن بطال: وليس عن الصحابة غير هذين القولين، وبهما قال أئمة الفتوى وللتابعين فيها شذوذ نذكره.
          وكذا قال ابن عبد البر في ((استذكاره)).
          3- يوم واحد وهو يوم النحر، وهو قول ابن سيرين وعليه ترجم (خ).
          4- يوم واحد في الأمصار، وفي منى ثلاثة أيام، وهو قول سعيد بن جبير وجابر بن زيد.
          5- يوم النحر وستة أيام بعده وهو قول قتادة.
          6- عشرة أيام حكاه ابن التين.
          7- وهو أغربها أنه إلى آخر يوم من ذي الحجة، روي عن الحسن البصري، قال ابن التين: ويؤثر عن عمر بن عبد العزيز أيضاً، ونقله ابن حزم عن سليمان بن يسار وأبي سلمة بن عبد الرحمن قال: الأضحى إلى هلال المحرم لمن استأنى بذلك.
          وهذه الأقوال لا أصل لها في السنة ولا في أقوال الصحابة، كما قال ابن بطال:
          ومن حديث عائشة مرفوعاً: ((منى كلها منحر))، وعن جابر مثله، وكان مالك لا يرى لأحد أن يضحي بليل.
          واحتج بقوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج:28] قال: فذكر الأيام دون الليالي، وقال أبو حنيفة والشافعي: لا بأس بالذبح ليلاً في أيام النحر لأن الله تعالى إذا ذكر الأيام فالليالي تبع لها، وإذا ذكر الليالي فالأيام تبع لها، وبه قال أشهب وإسحاق وأبو ثور.
          وأجمعوا أنه لا يجوز أن يضحي قبل طلوع الفجر من يوم النحر وسلف في صلاة العيد. اختلاف العلماء في الأيام المعلومات والمعدودات.
          وأما ابن حزم فقال: التضحية جائزة من طلوع الشمس يوم النحر إلى أن يهل هلال المحرم ليلاً ونهاراً إذ لم يخص تعالى وقتاً دون وقت ولا رسوله فلا يجوز تخصيص وقت بغير نص؛ لأن التقرب إلى الله تعالى بالتضحية حسن ما لم يمنع منه نص أو إجماع، ولا نص في ذلك ولا إجماع إلى آخر ذي الحجة. ثم نقل عن مالك بن أنس الأضحى إلى آخر يوم من ذي الحجة(1).
          قوله: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض)، قال أبو عبيد: يقال إن بدء ذلك كان والله أعلم أن العرب كانت تحرم الشهور الأربعة وكان هذا مما تمسكت به من ملة إبراهيم، فربما احتاجوا إلى تحليل المحرم للحرب تكون بينهم فيكرهون أن يستحلوا ويكرهون تأخير حربهم، فيؤخرون تحريم المحرم إلى صفر فيحرمونه ويستحلون المحرم، وهذا هو النسيء الذي قال الله: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة:37]، وكان ذلك في كتابه، والنسيء: هو التأخير، ومنه بعت الشيء بنسيئة، فكانوا يحرمون صفر يريدون به المحرم ويقولون: هو أحد الصفرين.
          قال: وقد تأول بعض الناس في قوله: ((ولا صفر)) على هذا، ثم يحتاجون إلى مثله ثم كذلك، وكذلك تتدافع شهراً بعد شهر حتى استدار التحريم على السنة كلها فقام الإسلام، وقد رجع المحرم إلى موضعه الذي وضعه الله به، وذلك بعد دهر طويل.
          وذكر ثابت في ((غريب الحديث)) حديث أبي بكرة وقال فيه: ((أليس البلَدة)) بفتح اللام. قال: ومنى أيضاً يسمونها البلدة وقد ذكر الله تعالى مكة في كتابه فقال: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ} [النمل:91] بإسكان اللام فلا أعرف ما قال ثابت إلا أن تكون لغة العرب أيضاً بفتح اللام.
          قوله: (أليس يوم النحر) أي: يوم تنحر فيه الأضاحي في سائر الأقطار والهدايا / بمنى.
          قوله: (قال محمد: وأحسبه قال: وأعراضكم)، محمد هو ابن سيرين.
          قوله: (أوعى له من بعض من سمعه) كذا هو أوعى، وفي رواية: أرعى، قيل: وهو الأشبه؛ لأن المقصود الرعاية له والامتثال، ويحتمل أن يريد بأوعى: أحفظ للقيام به وبحدوده عاملاً به.
          قوله: (ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان) قال الداودي: هو تأكيد، وقال بكر بن العلاء: إنما قال ذلك؛ لأن ربيعة بن نزار كانوا يحرمون شهر رمضان ويسمونه رجباً، وكان مضر يحرم رجب نفسه؛ فلذلك قال: ((الذي بين جمادى وشعبان)).
          قوله: (منها أربعة حرم، ثلاث متواليات) وفيه خلاف سلف في موضعه، وحكى ابن قتيبة عن قوم أنها شوال وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وهو عجيب من إنكارهم رجباً.
          قال والدي ⌂:
          (كتاب الأضاحي) بتشديد الياء وتخفيفها جمع الأضحية بكسر الهمزة وضمها والضحايا بمعناه جمع الضحية وكذلك الأضحى جمع الأضحاة وفيها أربع لغات وهي تذبح يوم العيد تقرباً إلى الله تعالى وسميت بذلك لأنها تفعل في الضحى وهو ارتفاع النهار وفي الأضحى لغتان التذكير والتأنيث.
          قوله (سنة) وهي سنة على الكفاية ولكل أهل بيت، وقال الحنفية: واجبة على الموسر المقيم والمالكية على المسافر والمقيم كليهما، و(محمد بن بشار) بفتح الموحدة وشدة المعجمة، و(غندر) بضم المعجمة وإسكان النون وفتح المهملة وضمها وبالراء محمد بن جعفر البصري، و(زبيد) مصغر الزبد بالزاي والموحدة والمهملة اليامي بالتحتانية والميم التابعي.
          و(الشعبي) بفتح المعجمة وتسكين المهملة عامر، و(البراء) بتخفيف الراء والمد ابن عازب بالمهملة والزاي.
          قوله (نصلي) هو نحو نسمع بالمعيدي خير من أن تراه في تقدير أن أو تنزيل الفعل منزلة المصدر، و(قبل) أي قبل مضي وقت الصلاة، و(النسك) العبادة أي لا ثواب فيها بل هي لحم ينتفع به أهلك، و(أبو بردة) بضم الموحدة وإسكان الراء وبالمهملة اسمه هانئ بالنون بعد الألف قبل الهمزة ابن نيار بكسر النون وخفة التحتانية وبالراء البلوي بالموحدة واللام والواو وقد ذبح قبل وقت الصلاة.
          و(الجذعة) هي جذعة معز إذ جذعة الضأن تجزئ للكل لا تختص به وهي الطاعنة في السنة الثانية وأما في المعز فلابد أن تطعن في الثالثة وهي الثني حتى تصلح للتضحية.
          و(تجزي) من جزى يجزي أي: لن تكفي لقوله تعالى: واتقوا {يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ} [لقمان:33] وهذا من خصائص هذا الصحابي، و(بعدك) أي: غيرك.
          قوله: (مطرف) بلفظ فاعل التطريف بالمهملة والراء الحارثي بالمثلثة الكوفي.، و(عامر) أي الشعبي، و(لنفسه) أي لا لثواب الأضحية، واختلف في وقت الأضحية فعند الشافعي بعد مضي قدر صلاة العيد وخطبتها من طلوع شمس النحر سواء صلى أم لا مقيماً بالأمصار أم لا لقوله صلعم: ((من ذبح بعد الصلاة)) وهي أعم من صلاة الإمام وغيره ولا يشترط فعل الصلاة اتفاقاً لصحة التضحية فدل على أن المراد بها وقتها.
          وعند الحنفية وقتها في حق أهل الأمصار بعد صلاة الإمام وخطبته وفي حق غيرهم بعد طلوع الفجر وعند المالكية بعد فراغ الإمام من الصلاة والخطبة والذبح، وعند الحنبلية: لا يجوز قبل صلاة الإمام ويجوز بعدها قبل ذبحه، وأما آخر وقتها فعند الشافعي آخر أيام التشريق وعند الأئمة الثلاثة آخر اليوم الثاني بعد العيد.
          قوله: (معاذ) بضم الميم وبالمهملة ثم المعجمة (ابن فضالة) بفتح الفاء وخفة المعجمة، و(هشام) أي الدستوائي، و(يحيى) أي: ابن أبي كثير، و(بعجة) بفتح الموحدة وإسكان المهملة وبالجيم ابن عبد الله (الجهني) بضم الجيم وفتح الهاء وبالنون، و(عقبة) بضم المهملة وتسكين القاف / ، و(صارت جذعة) أي حصلت لي جذعة، ولفظه أعم من أن يكون من المعز لكن قال البيهقي وغيره: كانت هذه رخصة لعقبة كما كان مثلها رخصة لأبي بردة في حديث البراء.
          قوله: (سرف) بفتح المهملة وكسر الراء موضع منصرفاً وغير منصرف وهذا هو الأشهر، و(نفست) بلفظ المجهول أي: حضت، مرت مباحثه في أول الحيض.
          قوله (ابن علية) بضم المهملة وفتح اللام الخفيفة وشدة التحتانية إسماعيل، و(الرجل) هو أبو بردة، و(ذكر جيرانه) أي: احتياج الجيران وفقرهم كأنه يريد به عذره في تقديم الذبح على الصلاة، و(خير من شائي لحم) أي: أطيب لحماً وأنفع لسمنها ونفاستها، و(في ذلك) أي: التضحية بجذعة المعز. وإنما قال أنس: (لا أدري) لأنه لم يبلغ إليه ما قال صلعم: ((لن تجزي عن أحد بعدك)).
          (وانكفأ) بالهمز أي: مال وانعطف، و(غنيمة) تصغير الغنم، و(تجزعوها) يعني قسموها حصصاً وتوزعوها قطعاً، و(الجزع) بالجيم والزاي القطع.
          قوله: (ابن أبي بكرة) هو عبد الرحمن واسم أبي بكرة نفيع مصغر ضد الضر مولى رسول الله صلعم الثقفي البصري، و(الزمان(2)) اسم لقليل الزمان وكثيره وأريد به ههنا السنة، و(كهيئته) صفة مصدر محذوف أي: استدار استدارة مثل حالته يوم خلق الله السماء والأرض كان للكفار نسيء في الجاهلية، وقد أخبر الله عنه بقوله: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة:37] يؤخرون الشهور بعضها عن بعض ويقدمونها ويحلونه عاماً ويحرمونه عاماً، ويزيدون في عد الشهور ويغيرونها عن مواضعها، وكان إذا أتى على ذلك عدة من السنين يعود الأمر إلى الأصل فوافق حجة الوداع عوده إلى أصله فوقع الحج في ذي الحجة أي بطل النسيء الذي كان في الجاهلية وعادت الأشهر إلى الوضع القديم.
          قوله: (حرم) جمع حرام أي: يحرم القتال فيها ثلاثة منها سرد وواحد فرد. فإن قلت: القياس ثلاثة لا ثلاث. قلت: إذا كان المميز محذوفاً جاز فيه الأمران، و(مضر) بضم الميم وفتح المعجمة وبالراء قبيلة كانوا يعظمونه غاية التعظيم ولم يغيروه عن موضعه الذي بين جمادى الآخرة وشعبان، وإنما وصفه به تأكيداً أو إزاحة للريب الحادث فيه من النسيء.
          قوله: (البلدة) أي: المعهودة التي هي أشرف البلاد وأكثرها حرمة يعني مكة، و(محمد) أي: ابن سيرين قال وأظنه قال وأعراضكم أيضاً والعرض موضع المدح والذم من الإنسان أي: لا يجوز القدح في العرض كالغيبة، وذلك كالقتل في الدماء والغصب في الأموال وشبهها في الحرمة باليوم والشهر والبلد لأنهم لا يرون استباحة تلك الأشياء وانتهاك حرمتها بحال، وإنما قدم السؤال عنها تذكاراً للحرمة وفيه أن التبليغ واجب.
          و(يضرب) بالرفع والجزم، و(يبلغه) من بلغ يبلغ وفي بعضها: يبلغه بلفظ مجهول مضارع التبليغ وجعل لعل بمعنى عسى في دخول أن في خبره، و(أوعى) أي أحفظ مر في العلم وفي كتاب المغازي في حجة الوداع.
          الزركشي:
          (لا تجزي عن أحد بعدك) قال الخطابي: بفتح التاء غير مهموز من جزى عني هذا الأمر يجزي، أي: يقضي، يريد أنها لا تقضي الواجب عن أحد بعدك، وأما أجزأني الشيء مهموز فمن كفاني.
          وقال النووي: إنه حكى فيه الاتفاق، لكن صاحب ((الصحاح)) حكى عن بني تميم أجزأت عنك شاة بالهمز، وعلى هذه اللغة فيجوز في الحديث ضم التاء.
          وقال الزمخشري في ((الأساس)): تقول بنو تميم: البدنة تجزئ / عن سبعة، وأهل الحجاز تجزي، وبهما قرئ: {لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً} [البقرة:48] وبقية الحديث سبق في العيد باب الأضحية للمسافر والنساء ذكر فيه حديث: ((ضحى عن أزواجه بالبقر))، وقيل: ليس من الأضحية، وإنما المراد ذبحها ضحى، فلذلك سميت الأضحية؛ لأن الحاج لا أضحية عليه وإنما منى موضع هدايا.
          (الداجن) التي ألفت البيوت، ومنهم [من] يدخلها الهاء.
          (العناق) الأنثى من ولد المعز، وغلط الراوي: إنها تطلق على الذكر والأنثى، وأنه تبين لقوله: لبن أنها أنثى، وإنما معنى عناق جذعة ترضع أمها، لم يرد أنها ذات لبن فيكون ثنية أو فوقها، المسنة التي أسقطت أسنانها للبدل سمعت فصفعتها بضربها باليدين مبالغة على السائل.


[1] في هامش المخطوط: ((يقول فيلزمه أيضاً أن يقول فيما بعد ذي الحجة أيضاً ليس فيه نص بالمنع ولا خصوصية لذي الحجة دون غيرها من الأشهر)).
[2] في هامش المخطوط: أقول: ((الزمان هو مقدار حركة الفلك)).