مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي وما يتزود منها

          ░16▒ (باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي وما يتزود منها) فيه أحاديث:
          1- حديث جابر: ((كنا نتزود لحوم الأضاحي...)) الحديث.
          2- حديث القاسم، أن ابن خباب واسمه عبد الله بن خباب أخو مسلم بن خباب، وبنو خباب أصحاب المقصورة موالي فاطمة بنت عبيد بن ربيعة أخبره أنه سمع أبا سعيد يحدث أنه كان غائباً، فقدم إليه لحم الحديث.
          3- حديث سلمة بن الأكوع قال: وقال النبي صلعم: ((من ضحى منكم...)) الحديث.
          4- حديث / عائشة ♦ قالت: الضحية كنا نملح منه، فنقدم به الحديث.
          5- حديث أبي عبيد مولى ابن أزهر أنه شهد العيد يوم الأضحى مع عمر بن الخطاب الحديث.
          6- حديث ابن عمر ☻ قال: قال رسول الله صلعم: ((كلوا من الأضاحي ثلاثاً)) الحديث.
          اختلف في هذا الباب فذهب قوم إلى تحريم لحوم الأضاحي بعد ثلاث، فذهب قوم إلى تحريم لحوم الأضاحي بعد ثلاث واحتجوا بحديث علي وابن عمر ☻ في الباب، وإليه ذهب ابن عمر، وخالفهم في ذلك آخرون ولم يروا بأكلها وادخارها بأساً، وعليه الجمهور، واحتجوا بحديث جابر وحديث أبي سعيد وبحديث سلمة وقالوا: أحاديث الإباحة ناسخة للنهي في ذلك، هذا قول الطحاوي.
          وقال المهلب: والذي يصح عندي أنه ليس فيها ناسخ ولا منسوخ، وقد فسر ذلك في الحديث بقوله: إنما كان ذلك من أجل الجهد ومن أجل الدافة، فكان نظراً منه لمعنى، فإذا زال المعنى سقط الحكم، وقول عائشة: ((وليس بعزيمة، ولكن أراد أن يطعم منه)) تبين أنه ليس بمنسوخ ولا النهي عن ذلك بمعنى التحريم، وأن للإمام والعالم أن يأمر بمثل هذا ويحض عليه إذا نزل بالناس حاجة.
          وبإباحة لحوم الأضاحي وتزودها قال الكوفيون ومالك والشافعي وجمهور الأئمة، وعبارة ابن التين اختلف في هذا النهي فقيل على التحريم ثم طرأ النسخ بإباحته، وقيل للكراهة فيحتمل نسخها وعدمه ويحتمل أن يكون المنع من الادخار لعلة وارتفع لعدمها، يوضحه قوله: وكان بالناس ذلك العام جهد.
          فإن قيل فقوله ◙: ((كلوا وأطعموا)) هل فيه دلالة على وجوب الأكل منها وهل هو كقوله: {فَكُلُواْ مِنْهَا} [الحج:28].
          قلت: معناهما واحد كما قال الطبري، وهو أمر بمعنى الإطلاق والإذن للأكل، لا بمعنى الإيجاب وأمر بعد حظر، وذلك أنه لا خلاف بين سلف الأمة وخلفها أن المضحي غير حرج بتركه الأكل من أضحيته ولا آثم، فدل إجماعهم على ذلك أن الأمر بالأكل بمعنى الإذن والإطلاق.
          وقال إبراهيم: كان المشركون لا يأكلون من ذبائحهم فرخص للمسلمين فمن شاء أكل ومن شاء لم يأكل. وقال ابن التين: لم يختلف المذهب أن الأكل غير واجب خلاف ما ذكره القاضي أبو محمد عن بعض الناس أنه واجب، وخالف ابن حزم فقال: فرض على كل مضح أن يأكل من أضحيته ولو لقمة فصاعداً.
          قلت: وروى أبو هريرة مرفوعاً: ((من ضحى فليأكل من أضحيته)) فإن قيل: فهل روي عن أحد أنه كان يطعم منها غنياً أو من ليس بمسلم، قلت: نعم قد روى هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان عمر يبعث إليها في فضول الأضاحي بالرؤوس والأكارع.
          وقال الحسن: لا بأس أن تطعم من أضحيتك جارك اليهودي والنصراني والمجوسي.
          قال: ويستحب التصدق بالثلث وأكل الثلث وإطعام الجيران الثلث؛ لأن ذلك كان يفعله بعض السلف، قلت: وقيل يأكل نصفها ويتصدق بنصف، وهو أحد قولي الشافعي، ونقل ابن عبد البر عن الشافعي أنه كان يستحب أن يأكل ثلثاً، ويتصدق بثلث ويدخر ثلثاً؛ لقوله صلعم: ((كلوا وتصدقوا وادخروا)) وكان مالك لا يجد في ذلك حداً.
          والدليل على أن هذا استحباب لا إيجاب حديث ثوبان قال: ذبح رسول الله صلعم ضحيته، ثم قال: ((يا ثوبان أصلح لحم هذه الأضحية)) فلم أزل أطعمه منها حتى قدم المدينة، وعندنا: الأفضل التصدق بكلها إلا لقماً يتبرك بها.
          وقال ابن التين: اختلف قول مالك هل الأفضل الصدقة بجميعها، قاله عنه محمد أو يأكل منها، قاله عنه ابن حبيب، وقال: إن لم يأكل منها شيئاً فهو مخطئ.
          وأما قوله: ((فأطعموا)) فعلى الاستحباب.
          قوله: / (حتى آتي أخي قتادة) هذا هو الصواب، ووقع في نسخة أبي محمد والقابسي من رواية أبي زيد وأبي أحمد أخي أبا قتادة، كما نبه عليه الجياني، ومشى عليه ابن بطال في ((شرحه)) وقد سلف في باب عدة من شهد بدراً على الصواب.
          قوله: (فقال: إنه قد حدث بعدك أمر) يعني: الإباحة، ويستحب أن يكون فطره على كبد أضحيته، وقول عائشة: ((الضحية كنا نملح منه)) هو بفتح الضاد.
          قولها: (وليست بعزيمة...) إلى آخره بين ذلك في ((الموطأ)) بقوله: ((إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت عليكم)) يعني بالدافة: مساكين قدموا المدينة، وكذلك هو في حديث سلمة بن الأكوع.
          والإباحة إذا وقعت بعد الحظر فهي نص، قال هذا سائر الفقهاء سوى ما ذكر هنا عن علي وابن عمر من ظاهر إيرادهما أن حكم ذلك باق لم ينسخ.
          وقول عثمان ☺: ((من أحب أن يرجع فقد أذنت له)) أخذ به مالك مرة، والأشهر عنه أن حضورهم العيد لا يضع عنهم حضور الجمعة، وإنه لم يأخذ بإذن عثمان غير الراوي، ويحتمل أنهم إنما كانوا يأتون العيد والجمعة من مواضع لا يجب عليهم المجيء منها، فأخبر بما لهم في ذلك، وهذا خلاف تأويل مالك.
          وأبو عبيد هو: [مولى] ابن عوف وابن أزهر.
          وقول (خ): (وعن معمر عن الزهري، عن أبي عبيد نحوه) يعني قوله: ((أنه ◙ نهاكم أن تأكلوا لحم نسككم فوق ثلاث))، رواه الشافعي في ((الأم))، فقال: ثنا الثقة عن معمر فذكره.
          قال الشافعي: لم يبلغ النهي علي بن أبي طالب ولا عبد الله بن واقد ولو بلغهما ما حدثا بالنهي، والنهي منسوخ، فإذا دفت الدافة ثبت النهي عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث، وإذا لم تدف الدافة فالرخصة ثابتة بالأكل والتزود والادخار.
          فصل
          قال أبو حنيفة: لما قيل له: الرجل يجز صوف أضحيته قبل أن يذبحها وينتفع به قال: أكره ذلك، قيل: فهل يكره أن يحلبها؟ قال: نعم، وكذا قال مالك والشافعي.
          فإن ولدت عنده أيذبحها هي وولدها؟ جوزه أبو حنيفة، قيل له: فينبغي له أن لا يذبح أولادها، قال: لا، وقال مالك: إني لأستحسن أن يذبح ولد الأضحية مع أمه، وإن تركه لم أره عليه واجباً؛ لأن عليه بدل أمه إن هلكت. وقال الثوري والأوزاعي والشافعي: اذبحها وولدها.
          فصل
          ضابط عيب الأضحية عندنا ما ينقص اللحم، فلو خلقت بلا آذان أجزأت عند أبي حنيفة بخلاف العمى، وسئل مالك عن الشاة تخلق خلقاً ناقصاً، قال: لا تجزئ إلا أن تكون جلحاء أو سكاء وهي التي لها أذنان صغيرتان.
          والسكك: صغر الأذن، ورجل أسك وامرأة سكاء، والجمع منهما: سك؛ وكل الطير سك: صغير الأذن.
          وقال الشافعي في مكسورة القرن تدمى أو لا تدمى، أو جلحاء: تجزئ. وإذا خلقت لها أذن ما كانت أجزأت، وإن خلقت لا أذن لها لم تجز، وكذا لو جدعت.
          وسئل أبو حنيفة عن الشاة تذبح من قبل قفاها هل تؤكل؟ فقال: إن كانت الشاة لم تمت حتى وصل إلى الأوداج فقطعها فلا بأس بأكلها، وإن كانت ماتت قبل أن تصل إلى الأوداج فهي ميتة لا خير في أكلها، قيل: أفيكره ذلك الصنيع؟ قال: نعم، وهو قول صاحبيه، ومالك يقول: إذا أخطأ فذبح من العنق أو القفا فلا تؤكل.
          وقال الأوزاعي وعبيد الله بن الحسن والحسن بن صالح: لا بأس، وعن الشافعي: إن تحركت قبل قطع رأسها أكلت وإلا فلا.
          فإن قدم أضحيته للذبح فاضطربت في مكانها فانكسرت رجلها فذبحها مكانه أجزأت عند أبي حنيفة، وقال مالك: يبدله، وقال الشافعي: إذا اشترى أضحية فلم يوجبها حتى أصابها ما لا تجوز معه بحضرة الذبح قبل أن يذبحها أو قبل ذلك لم تكن أضحية، ولو أوجبها / سالمة ثم أصابها ذلك وبلغت أيام الأضحى فضحى بها أجزأت عنه.
          فإن أوجب أضحية فلم يذبحها حتى مضت أيام النحر ثم تصدق بها أجزأه، ولم يكن عليه شيء غير ذلك، قاله أبو حنيفة وأبو يوسف.
          وسئل مالك عن ذلك فقال: إن شاء ذبحها وإن شاء صنع بها ما شاء.
          قال الشافعي: لو ضلت أضحيته ثم وجدها، وقد مضت أيام النحر صنع بها كما يصنع في أيام النحر، كما لو أوجب أن يهديها العام فأخرها إلى قابل.
          وسئل أبو حنيفة وصاحباه هل ينتفع الرجل بجلد أضحيته يشتري بها متاعاً للبيت؟ قال: لا بأس به، وبلغنا ذلك عن إبراهيم وقال مالك: جلود الهدايا والأضاحي بمنزلة لحمها يصنع بها ما يصنع باللحم.
          وقال الأوزاعي والثوري: لا يبيعه بدراهم، ولكن يتصدق به أو ينتفع به.
          وفي ((صحيح الحاكم)): ((من باع جلد أضحيته فلا أضحية له))، وأخرجه أبو الشيخ من هذا الوجه من طريق أبي هريرة كذلك.
          ومن طريق أبي سعيد الخدري: نهى صلعم عن بيع مسوك الأضاحي الأضاحي وقال: ((تصدقوا بها أو انتفعوا بها)).
          ونص الشافعي في البويطي: أن لا يعطى منها لأهل الذمة، وهو نقل عزيز لم يظفر به أصحابنا في كتبهم. وقال النووي وغيره: لم نره مسطوراً.
          فرع: ثبت أن ابن عمر ☻ كان لا يضحي عما في البطن، وبه قال الشافعي وأبو ثور. وكان مالك يرى أن يضحى عن اليتيم يكون له ثلاثون ديناراً بالشام بنصف دينار ونحوه(1).
          فرع: وقال أبو حنيفة: يضحى عنه من ماله، ولا يجوز ذلك في قول الشافعي.
          والبدنة تجزئ عندنا عن سبعة، وكذا البقرة. قال ابن عبد البر: احتج جماعة الفقهاء بحديث جابر أن رسول الله صلعم أجاز البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة، وضعفوا حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم الذي فيه ما يدل على أن البدنة نحرت في الحديبية عن عشرة، قالوا: هو مرسل خالفه ما هو أثبت منه وأوضح، والمسور لم يشهد الحديبية، ومروان لم ير رسول الله صلعم وقال بهذا القول أكثر الصحابة.
          قلت: لم ينفرد به المسور فقد رواه أبو الشيخ من حديث أبي صالح، عن الليث، عن إسحاق بن بزرج، عن الحسن بن علي أن النبي صلعم قال: ((البقرة عن سبعة والبدنة عن عشرة)). ومن حديث حذيفة: أشرك النبي صلعم بين المسلمين الجزور عن عشرة، ومن حديث يزيد بن قسيط عن ابن المسيب أنه صلعم قال: ((الجزور عن عشرة)).
          قال ابن عبد البر، روي عن رافع بن خديج، عن رسول الله صلعم: ((البدنة عن عشرة)). ومن حديث ابن عباس مثله، قال (ت) حديث حسن غريب.
          قال الطحاوي: قد اتفقوا على جوازها عن سبعة، واختلفوا فيما زاد ولا تثبت الزيادة إلا بتوقيف لا معارض له أو اتفاق.
          قال أبو عمر: أي اتفاق يكون على جوازها عن سبعة، ومالك والليث يقولان: لا تجوز البدنة إلا عن واحد والبقرة كذلك، إلا أن يذبحها الرجل عن أهل بيته فتجوز عن سبعة حينئذ وعن أقل وعن أكثر.
          وفي ((القنية)) من كتب الحنفية: أربعة عشر نفراً ضحوا ببعيرين مشتركين ينبغي أن تجوز.
          قال والدي ⌂:
          (باب إذا بعث بهديه) بسكون الدال وهو ما يهدى إلى الحرم من النعم، و(أحمد بن محمد) السمسار المروزي، و(إسماعيل) هو ابن أبي خالد، و(البدنة) ناقة تنحر بمكة، و(تقليدها) أي: يعلق في عنقها شيء ليعلم أنها هدي، و(التصفيق) الضرب الذي يسمع له صوت.
          قوله: (عمرو) أي: ابن دينار. [ومر] مرة واحدة لحوم الهدي مكان لحوم الأضاحي وفي بعضها غير مرة / . قوله: (إسماعيل) أي: ابن أبي أويس، و(سليمان) أي: ابن بلال، و(القاسم) هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق، و(ابن خباب) بفتح المعجمة وشدة الموحدة الأولى، عبد الله الأنصاري التابعي.
          و(قدم) بكسر الدال الخفيفة، و(قدم) بكسرها مشددة، و(قال) أي: أبو سعيد (ثم قمت حتى أتيت قتادة) أي: ابن النعمان الظفري بالمعجمة والفاء المدني، وفي بعضها: ((أبا قتادة)) بزيادة لفظ الأب وهو سهو، وذكر (خ) على الصواب في عدة أصحاب بدر حيث قال: فانطلق إلى أخيه لأمه قتادة.
          قال الغساني: وقع في النسخ أبا قتادة وصوابه قتادة، واعلم أن قتادة شهد بدراً وسائر المشاهد وقلعت عينه يوم أحد وسالت على خده فردها رسول الله صلعم إلى موضعها، فكانت أحسن عينيه وقدم بعض أولاده على عمر بن عبد العزيز فقال له: من الرجل؟ فقال:
أنا ابن الذي سالت على الخد عينه                     فردت بكف المصطفى أحسن الرد
فعادت كما كانت لأول أمرها                     فيا حسن ما عين ويا حسن ما رد
          قوله: (أمر) أي: ناقض لما كانوا ينهون من أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام وذكره صريحاً في المغازي.
          قوله: (أبو عاصم) هو المسمى بالضحاك الملقب بالنبيل بفتح النون وكسر الموحدة، و(يزيد) بالزاي ابن أبي عبيد مصغر ضد الحر، و(سلمة) بالمفتوحتين (ابن الأكوع) مذكر الكوعاء بالكاف والواو والمهملة (فلا يصبحن) من الإصباح، و(بعد ثالثة) أي: ليلة ثالثة من وقت التضحية، و(العام الماضي) في بعضها: ((عام الماضي)) بإضافة الموصوف إلى صفته؛ أي: لا يدخر كما لم يدخر في السنة الماضية، و(الجَهد) بالفتح المشقة يقال: جهد عيشهم؛ أي: نكد واشتد وبلغ غاية المشقة، وفي الحديث دلالة على أن تحريم ادخارهم الأضاحي كان لعلة فلما زالت العلة زال التحريم.
          فإن قلت: فهل يجب الأكل من لحمها لظاهر الأمر وهو كلوا؟.
          قلت: ظاهره حقيقة في الوجوب إذا لم تكن قرينة صارفة عنه، وكان ثمة قرينة على أنه لرفع الحرمة؛ أي: للإباحة ثم إن الأصوليين اختلفوا في الأمر الوارد بعد الحظر أهو للوجوب أم للإباحة، ولئن سلمنا أنه للوجوب حقيقة فالإجماع ههنا مانع عن الحمل عليها، وهذا هو الثامن عشر من ثلاثيات (خ).
          قوله: (إسماعيل بن عبد الله) هو المشهور بابن أبي أويس مصغراً، و(أخوه) هو عبد الحميد، و(إسماعيل) روى في الحديث السابق عن سليمان بلا واسطة وههنا بواسطة أخيه عنه، و(عمرة) بفتح المهملة وسكون الميم وبالراء، و(يملح) أي: يجعل فيها الملح ويقدده.
          فإن قلت: القياس نمها؟ قلت: ذكر باعتبار مرادفها وهو القربات عكس قولهم: أتته كتابي فاحتقرها أو باعتبار أنها لحم.
          قوله: (عزيمة) أي: ليس النهي للتحريم ولا ترك الأكل بعد الثلاثة واجباً، بل كان غرضه أن يصرف شيء منه إلى الناس، اختلفوا في الأخذ بهذه الأحاديث فقال قوم: يحرم إمساك لحوم الأضاحي والأكل منها بعد ثلاث وأن حكمه باق، وقال الجمهور: يباح الأكل والإمساك بعد الثلاث والنهي منسوخ، وهذا من باب نسخ السنة بالسنة. وقال بعضهم: ليس هذا نسخاً، بل كان التحريم لعلة فلما زالت زال الحكم، وقيل: كان النهي للكراهة لا للتحريم، والكراهة باقية إلى اليوم.
          قوله: (حبان) بكسر المهملة وشدة الموحدة وبالنون ابن موسى، و(أبو عبيد) تصغير العبد خلاف الحر، اسمه سعد مولى عبد الرحمن بن الأزهر ضد الأسود، و(النسك) / الأضحية، و(العيدان) يوم الجمعة ويوم العيد حقيقة.
          فإن قلت: لم سمي يوم الجمعة عيداً؟ قلت: لأنه زمان اجتماع المسلمين في معبد عظيم لإظهار شعار الشريعة كيوم العيد فالإطلاق على سبيل التشبيه.
          و(العوالي) جمع العالية وهي قرى بقرب المدينة من جهة الشرق وأقربها إلى المدينة على أربعة أميال أو ثلاثة وأبعدها ثمانية، وهذا الحديث محمول على أن السنة التي خطب فيها علي ☺ كان بالناس فيها جهد وأن الناقض الذي رواه قتادة حيث قال حدث أمر نقض النهي عن الأكل لا يبلغ إليه.
          قوله: (ابن أخي ابن شهاب) هو محمد بن عبد الله الزهري وكان عبد الله بن عمر يأكل الخبز بدهن الزيت حتى يرجع من منى احترازاً عن أكل لحوم الهدي.
          فإن قلت: الهدي أخص من الأضحية فلا يلزم منه أنه كان محترزاً من لحوم الضحايا لكن الترجمة منعقدة عليها، وفيها البحث قلت: ذكر الهدي لمناسبة السفر من منى.


[1] في هامش المخطوط: أقول: لا يجوز إخراج زكاة من مال اليتيم ويضحى من ماله.