نجاح القاري لصحيح البخاري

باب من نسى صلاة فليصل إذا ذكرها ولا يعيد إلا تلك الصلاة

          ░37▒ (باب مَنْ نَسِي صَلاَةً) حتَّى خرج وقتها (فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَ) وفي رواية: <إذا ذكرها> (وَلاَ يُعِيدُ) وفي رواية: <ولا يُعِدْ> على النَّهي، كما أنَّ الأوَّل على النَّفي بمعنى النَّهي؛ أي: لا يقضِ (إِلاَّ تِلْكَ الصَّلاَةَ) الواحدة، خلافاً لمالك فإنَّه ذهب إلى أنَّ من ذكر بعد أن صلَّى صلاة أنَّه لم يُصلِّ التي قبلها، فإنَّه يصلِّي التي ذكر، ثمَّ يُصلِّي التي كان صلَّاها مراعاة للتَّرتيب.
          قال ابن المنيِّر: صرَّح البُخاريَّ بإثبات هذا الحكم مع كونه ممَّا اختلف فيه؛ لقوَّة دليله، ولكونه على وفق القياس، إذ الواجب خمسُ صلوات لا أكثر، فمن قضى الفائتة كمل عدد المأمور به، ولكونه على مقتضى ظاهر الخطاب لقول الشارع: «فليصلِّها»، ولم يذكر زيادة، وقولِه أيضاً: ((لا كفَّارة لها إلَّا ذلك)) فاستُفِيد من هذا الحصر أن لا يجب غير إعادتها.
          (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ) أي: النَّخعيُّ، وقد وَصَله / الثَّوريُّ في «جامعه» عن منصور وغيره عنه: (مَنْ تَرَكَ صَلاَةً وَاحِدَةً) نسيها (عِشْرِينَ سَنَةً) مثلاً (لَمْ يُعِدْ إِلاَّ تِلْكَ الصَّلاَةَ الْوَاحِدَةَ).
          ومطابقة هذا الأثر للتَّرجمة: من حيث إنَّ قوله: ((مَنْ نَسِيَ صلاة فليصلِّ إذا ذكرها)) أعمَّ من أن يكون ذكرها بعد النِّسيان بعد يوم أو شهر أو سنة أو أكثر من ذلك، وقيَّده بعشرين سنة للمبالغة، والمقصود أنَّه لا يجب عليه إلَّا إعادة صلاة نسيها خاصَّة في أيِّ وقت ذكرها، ثمَّ إنَّ مراد المؤلِّف ☼ بذكر هذا الأثر تقوية قوله: ولا يعيد إلَّا تلك الصَّلاة.
          ويُحْتَمل أن يكون أشار بقوله: ولا يُعيِد إلَّا تلك الصَّلاة، إلى تَضْعِيف ما وَقَع في بعض طرق حديث أبي قتادة عند مسلم في قضية النَّوم عن الصَّلاة، حيث قال: ((فإذا كان الغد فليصلِّها عند وقتها)).
          فإنَّ بعضهم زعم: أنَّ ظاهره إعادة القضيَّة مرَّتين عند ذكرها، وعند حضور مثلها من الوقت الآتي، ولكن اللَّفظ المذكور ليس نصًّا في ذلك؛ لأنَّه يُحْتَمل أن يُريِد بقوله: ((فليصلِّها عند وقتها)) أي: الصَّلاة التي تحضر، لا أنَّه يُريِد أن يعيد التي صلَّاها بعد خروج وقتها.
          فإن قيل: روى أبو داود من حديث عِمران بن الحُصَين في هذه القصَّة: ((من أدرك منكم صلاة الغداة من غدٍ صالحاً فليقض معها مثلها)).
          فالجواب: أنَّه قال الخطَّابيُّ: لا أعلم أحداً قال بظاهره وجوباً، ويشبه أن يكون الأمر فيه للاستحباب؛ ليحرز فضيلة الوقت في القضاء. انتهى.
          ولم يَقُلْ أحدٌ مِنَ السَّلفِ باستحباب ذلك، بل عَدُّوا الحديث غلطاً من رواته. وحكى ذلك التِّرمذيُ وغيرهُ عن البُخاريِّ. ويؤيِّد ذلك ما رواه النَّسائي من حديث عمران بن حصين أيضاً: أنَّهم قالوا: يا رسول الله! ألا نقضيها لوقتها من الغد؟ فقال صلعم : ((لا ينهَاكُم الله عن الرِّبا ويأخذُه منكم)).