نجاح القاري لصحيح البخاري

باب وقت المغرب

          ░18▒ (باب) بيان (وَقْتِ) صلاة (الْمَغْرِبِ، وَقَالَ عَطَاءٌ) هو: ابنُ أبي رباح: (يَجْمَعُ المَرِيضُ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ) وهذا التَّعليق وصله عبد الرَّزَّاق في «مصنَّفه» عن ابن جُرَيج عنه، واختلف العلماء في المريض هل يجوز له أن يجمعَ بين الصَّلاتين كالمسافر، لما فيه من الرِّفق به أو لا؟ فجوَّزه أحمد وإسحاق مطلقاً، واختاره بعض الشَّافعيَّة، وجوَّزه مالكٌ بشرط، والمشهور عن الشَّافعيِّ وأصحابه المنعُ.
          قال في «الرَّوضة»: المعروفُ في المذهب أنَّه لا يجوز الجمع بالمرض والوحل.
          وقال جماعة من الشَّافعيَّة: يجوزُ بالمرض والوَحَل، وممَّن قاله الخطَّابيُّ والقاضي حُسَين واستحسنه الرُّويانيُّ.
          وقال النَّوويُّ: القول بجواز الجمع في المرض ظاهر مُخْتَار، فقد ثبت في «صحيح مسلم» أنَّه صلعم جمع بالمدينة من غير خَوْفٍ ولا مطرٍ. انتهى.
          قال في «المُهمَّات»: وظاهر الميل إلى الجواز بالمرض، وقد ظفرتُ بنقله عن الشَّافعيِّ في «مختصر المزني» وهو مُخْتصر لطيف سمَّاه «نهاية الاختصار» من قول الشافعي قال: والجمع بين الصَّلاتين في السَّفر والمطر والمرض جائزٌ. انتهى.
          وأمَّا عندَ الحنفيَّة فالثَّابت هو المنع فيما عدا عرفة والمزدلفة.
          وقال القاضي عِيَاض: الجمع بين الصَّلوات يكون تارةً سُنَّة، وتارةً رُخصة، فالسنَّة الجمع بعرفة والمزدلفة، وأمَّا الرُّخصة: فالجمعُ في المَرضِ والسَّفر والمطر، فمن تمسَّكَ بحديث صلاة النَّبي صلعم مع جبريل وقدَّمه لم يرَ الجمع في ذلك، ومن خصَّه أثبت جواز الجمع في السَّفر بالأحاديث الواردة فيه، وقاسَ المرض عليه فيقول: إذا أُبِيحَ للمُسَافر الجمع بمشقَّة السَّفر فأحرى أن يُبَاح للمريض، وقد قرن الله المريض بالمسافر في التَّرخيص في الفطر والتيمُّم، وأمَّا الجمعُ في المطر فالمشهور من مذهب مالك إثباته في المغرب والعشاء.
          وعنه قولةٌ شاذَّة: أنَّه لا يُجمَع إلا في مسجد الرسول صلعم .
          ثمَّ إنَّ المؤلِّف ☼ أشار بهذا الأثر في هذه التَّرجمة إلى أنَّ وقت المغرب يمتدُّ إلى وقت العشاء، وذلك أنَّه لو كان مضيِّقاً لانفصل عن وقت العشاء، ولو كان مُنْفصلاً لم يجمع بينهما كما في الصُّبح والظُّهر، ولهذه النُّكتة خَتَمَ الباب بحديث ابن عبَّاسٍ ☻ / الدَّال على أنَّه صلعم جمع بين الظُّهر والعصر في وقت إحداهما، وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما على قول مَنْ جوَّزَ الجمع، أو الدَّال على أنَّه صلعم أخَّر الظهر إلى آخر وقتهما، فلمَّا صلَّاها وانصرف دخل وقت العصر فصلَّاها من غير فَصْلٍ بينهما، وكذا المغرب والعشاء على قول من منع الجمع في وقت إحداهما.
          وأمَّا الأحاديث الَّتي أوردها في الباب فليسَ فيها ما يدلُّ على أنَّ الوقت مضيَّق؛ لأنه ليس فيها إلا مجرَّد المبادرة إلى الصَّلاة في أوَّل وقتها، وكانت تلك عادته صلعم في جميعِ الصَّلوات إلَّا فيما ثبتَ خلاف ذلك كالإبراد، وكتأخير العِشاء إذا أبطؤوا كما في حديث جابر ☺ [خ¦560]، والله أعلم.