نجاح القاري لصحيح البخاري

باب الحج والنذور عن الميت والرجل يحج عن المرأة

          ░22▒ (بابُ) حكم (الْحَجِّ وَالنُّذُورِ) بلفظ الجمع في رواية الأكثرين، وفي رواية النسفيِّ: <والنذر> بالإفراد (عَنِ الْمَيِّتِ وَ) حكم (الرَّجُلُ) بالجرِّ عطف على المجرور السابق، وفي فرع اليونينية: <والرجل> بالرفع على الاستئناف (يَحُجُّ عَنِ الْمَرْأَةِ) فالترجمة مشتملةٌ على حكمين، وكان ينبغي أن يقول: والمرأة تحجُّ عن المرأة؛ ليطابق حديث الباب.
          وأجاب ابن بطال وكذا الزركشيُّ: بأنَّ النبيَّ صلعم خاطب المرأة بخطابٍ دخل فيه الرِّجال والنِّساء وهو قوله: اقضوا الله [خ¦1852].
          قال ابن بطال: ولم يخالف في جواز حجِّ الرَّجل عن المرأة، والمرأة عن الرجل إلا الحسن بن صالح.
          وقال الحافظ العسقلانيُّ: في قوله: والرجل يحجُّ عن المرأة نظرٌ؛ لأنَّ لفظ الحديث: أنَّ امرأة سألت عن نذرٍ كان على أبيها فكان حقُّ التَّرجمة أن يقول: والمرأة تحجُّ عن الرَّجل.
          ثم قال: والَّذي يظهر لي أنَّ البخاري أشار بالتَّرجمة إلى رواية شعبة عن أبي بشر في هذا الحديث فإنَّه قال فيها: أتى رجلٌ النبيَّ صلعم فقال: إنَّ أختي نذرت أن تحجَّ وفيه: ((فاقض الله فهو أحقُّ بالقضاء))، أخرجه البخاريُّ في كتاب النذر [خ¦6699]. وكذا أخرجه أحمد والنَّسائي من طريق شعبة.
          وقال الكرمانيُّ: فإن قلت: الترجمة في حجِّ الرَّجل عن المرأة وهذا هو حجُّ المرأة عن المرأة.
          قلت: يلزم منه الترجمة بطريق الأولى، وفي بعض التراجم: المرأة تحجُّ عن المرأة.
          وقال العينيُّ: وفي كلٍّ من هذه الأجوبة نظر؛ أمَّا جواب ابن بطَّال فكاد أن يكون باطلاً؛ لأنَّ خطاب النبيِّ صلعم هنا ليس للمرأة خاصة، وإنَّما هو خطابٌ لمن كان حاضراً هناك، ودخول المرأة في الخطاب لا يقتضي المطابقة بين الحديث والترجمة.
          وأمَّا جواب هذا القائل؛ يعني: الحافظَ العسقلاني فأبعد من الأول؛ لأنَّ الترجمة في باب لا يقال بينها وبين حديث مذكور في باب آخر إنَّه مطابق لهذه التَّرجمة، فإنَّ الأصل هي المطابقة بين ترجمة وبين حديثٍ مذكور في باب واحد.
          وأمَّا جواب الكرماني ففيه دعوى الأولوية بطريق الملازمة، فيحتاج إلى بيانٍ بدليلٍ صحيحٍ مطابق.
          هذا كلامه،
          وأنت خبيرٌ بأنَّ كلاًّ من تلك الأنظار يندفع بأدنى تأمل.
          ثم قال العينيُّ: والوجه ما ذكرناه؛ يريد به أنَّه مطابقٌ للجزء الأول من الترجمة وهو الحجُّ والنذر عن الميِّت فافهم.