الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب

          ░47▒ (باب: مَنْ لَم يرَ الرُّؤيا لأَوَّلِ(1) عَابِر إِذَا لَمْ يُصِب)
          وفي «تقرير مولانا محمَّد حسن المكِّيِّ»: إشارة إلى ضعف ما رُوي ((الرُّؤيا لأوَّل عابر)) قال الأستاد: تأويله أنَّ استقرار القلب على أحد الجانبين لأوَّل عابر. انتهى.
          وبسط الكلام على ذلك الحافظ في «الفتح» ولخَّصه القَسْطَلَّانيُّ إذ قال: قوله: (إذا لم يصب) أي: في العبارة إذ المدار على إصابة الصَّواب، فحديث ((الرُّؤيا لأوَّل عابر)) المرويُّ عن أنس مرفوعًا معناه: إذا كان العابر الأوَّل عالمًا، فعبَّر وأصاب وجه التَّعبير، وإلَّا فهي لمن / أصاب بعده، لكن يعارضه حديث أبي رزين: ((أنَّ الرُّؤيا إذا عُبِّرت وَقَعت)) إلَّا أن يدعي(2) تخصيص ((عُبِّرت)) بأن يكون عابرها عالمًا مصيبًا. انتهى مِنْ «هامش اللَّامع».
          وكتبَ الشَّيخ قُدِّس سِرُّه في «اللَّامع»: يعني بذلك أنَّ التَّعبير لا يضرُّ شيئًا، ولا ينفع في وقوعه ما هو مراد الرُّؤيا، سِوى تأثيره في إيراث السُّرور أو الحزن، كما قرَّرنا قبل ذلك في التِّرمذيِّ وغيره. انتهى.
          وفي «هامشه»: فقد أفاد في «الكوكب» في (باب: إذا رأى في المنام ما يَكره): قوله: (فإنَّها لا تضرُّه) أي: يذهب بذلك وساوسه، وإلَّا فالمقدور كائن لا محالة إن كان الَّذِي رآه حقًّا مطابقًا للواقع، وغيرُ المقدور غيرُ واقع لا محالة، وقوله: (إلَّا لبيبًا أو حبيبًا) لأنَّ الحبيب لمحبَّته إيَّاك واللَّبيبَ للُبِّه لا يقول إلَّا خيرًا فيسرُّك، وإن كان غيرَ ذلك عبَّر بما يضرُّك فيسوءك. انتهى.
          قالَ الحافظُ بعد ذكر الرِّوايات الواردة في هذا المعنى: أشارَ البخاريُّ إلى تخصيص ذلك بما إذا كان العابر مصيبًا في تعبيره، وأخذه مِنْ قولِه صلعم لأبي بكر في حديث الباب (أَصَبْتَ بَعْضًا وَأَخْطَأْتَ بَعْضًا) فإنَّه يُؤخَذ منه أنَّ الَّذِي أخطا فيه لو بيَّنه له لكان الَّذِي بيَّنه له هو التَّعبير الصَّحيح، ولا عبرة بالتَّعبير الأوَّل. انتهى مختصرًا.
          وكتبَ الشَّيخ في «اللَّامع»: ثمَّ إيراده(3) الرِّواية في هذا الباب وجهُه ظاهرٌ، حيث لم يقع الأمر كما عبَّره أبو بكر، وكان أوَّل مَنْ عبَّر هذا(4) الرُّؤيا إذ لو كان وقوعه حسب تأويله للزم أن يكون الَّذِي انفصم له الحبل هو الواصل بعد وصله، مع أنَّ الأمر ليس كذلك، بل الواصل بعد وصل الحبل، والَّذِي علا به غير الَّذِي انقطع الحبل لأجله. انتهى.
          وفي «الفيض»: واعْلَمْ أَنَّهُم اخْتَلَفُوا في أَنَّ الرُّؤيا، هل لها حقيقة مستقرَّةٌ بأنْفُسِها، أو هي تابعةٌ للتَّعْبِيرِ، كيف ما(5) عُبِّرَت؟ فذهبَ جماعةٌ إلى الأوَّل، ومنهم البخاريُّ، وتَمَسَّكَ بقَول النَّبيِّ صلعم: (أصبتَ بَعْضًا، وأخطأتَ بَعْضًا) فَدَلَّ على أَنَّ الرُّؤيا لها حقيقة، حيث لم يُدْرِكْ بعضَها أبو بكرٍ، وأَخْطَأَ فيها، ثمَّ بتعبيرِهِ لم تَتَغَيَّرْ حقيقَتُها، وتَمَسَّكَ الأوَّلونَ بما عندَ التِّرْمِذيِّ: ((الرُّؤيا على رِجْل طائرٍ، ما لم تعبَّر)) قلت: واختار التَّوزيع، فبعض أنواعها ينقلب بالتَّعبير وبعضها لا... إلى آخر ما ذكر.


[1] في (المطبوع): ((الأول)).
[2] في (المطبوع): ((يدعى)).
[3] في (المطبوع): ((إيراد)).
[4] في (المطبوع): ((هذه)).
[5] في (المطبوع): ((كيفما)).