الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة

          ░4▒ (باب: الرُّؤيا الصَّالحة جُزْءٌ مِنْ ستَّة وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ)
          قالَ الحافظُ: هذه التَّرجمة لفظ آخر أحاديث الباب، فكأنَّه حمل الرِّواية الأخرى بلفظ: (رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ) على هذه المقيَّدة. انتهى.
          قلت: لعلَّ المصنِّف أشار إلى ترجيح هذا اللَّفظ، فإنَّ الرِّوايات في العدد مختلفة كما بسطه الحافظان ابنُ حَجَر والعَينيُّ، وكذا بسط الحافظ الكلام على معنى كونه جزءًا مِنَ النُّبوَّة، وقال بعضهم: لا يعلم حقيقتها إلَّا مَنْ يعلم عِلم النُّبوَّة.
          وقالَ الكَرْمانيُّ عن الخطَّابيِّ: قيل: مدَّة الوحي ثلاثة وعشرون سنةً، وكان يوحى إليه في منامه في أوَّل الأمر بمكَّةَ المشرَّفة ستَّة أشهر، وهي نصف سنةٍ، وهذه جزء مِنْ ستَّة وأربعين جزءًا مِنْ أجزاء مدَّة زمانِ النُّبوَّة، وقال: معنى الحديث تحقيق أمر الرُّؤيا، وأنَّها ممَّا كان الأنبياء يثبتونه، وكان جزءًا مِنْ أجزاء العِلم الَّذِي كان يأتيهم، قال القاضي عياض: في بعض الرِّوايات تسعة وأربعين، وفي بعضها سبعين، وفي بعضها خمسين، فقيل: هذا الاختلاف يرجع إلى اختلاف حال الرَّائي، فللصَّالح مثلًا جزء مِنْ ستَّة وأربعين، وللفاسق جزء مِنْ سبعين، وما بينهما لمن بينهما. انتهى.
          وفي «الفيض»: وقد تصدَّى العلماء على أحداث(1) المناسبات في العدد المخصوص، فتصحُّ في بعضٍ دون بعض، ومَنْ شاء الكلام فيها على طور الصُّوفيَّة فليراجع له «الإبريز». انتهى.
          فإن قيل: إنَّ الرُّؤيا الَّتي أُرِيَها صلعم ستَّة أشهر كان ذلك قبل النُّبوَّة، فكيف صارت جزءًا منها؟ ويمكن الجواب عنه ما ذكره الكرمانيُّ تحت شرح الحديث. فإن قلت: هل يقال لصاحب الرُّؤيا الصَّالحة: له شيء مِنَ النُّبوَّة؟ قلت: جزء النُّبوَّة ليس نبوَّةً، إذ جزء الشَّيء غيرُه، أو لا هو ولا غيره، فلا نبوَّة له. انتهى.
          قلت: وهو كذلك كما هو ظاهر، فإنْ تحقَّق الجزء مِنْ حيثُ إنَّه(2) جزء وإن كان لا يمكن تحقُّقه بدون الكلِّ، لكنْ يمكن تحقُّقه في نفسه بدون لحاظ وصف الجزئيَّة، فافهم.
          وفي هامش «النُّسخة المصريَّة»: قوله: (جزء مِنْ ستَّة وأربعين...) إلى آخره، قالَ الكَرْمانيُّ: أي: في حقِّ الأنبياء دون غيرهم، وقيل معناه: أنَّ الرُّؤيا تأتي على موافقة النُّبوَّة، لأنَّها جزءٌ باقٍ مِنَ النُّبوَّة. انتهى.
          ثمَّ ليس في أوَّل حديث الباب ما يطابق التَّرجمة، والجواب ما في هامش «النُّسخة المصريَّة» إذ قال: وجه دخول هذا الحديث في هذا الباب الإشارة إلى أنَّ الرُّؤيا إنَّما كانت جزءًا مِنْ أجزاء النُّبوَّة لكونها مِنَ الله تعالى بخلاف الَّتي مِنَ الشَّيطان، فإنَّها ليست مِنْ أجزاء النُّبوَّة. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((إحداث)).
[2] في (المطبوع): ((أنه)).