الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب هبة الواحد للجماعة

          ░22▒ (باب: هِبَة الوَاحِد للجَمَاعة)
          قال الحافظ: أي: يجوز ولو كان شيئًا مُشاعًا، قالَ ابن بطَّالٍ: غرض المصنِّف: إثبات هبة المُشاع، وهو قول الجمهور خلافًا لأبي حنيفة كذا أطلق، وتُعُقِّب بأنَّه ليس على إطلاقه وإنَّما يفرِّق في هبة المُشاع بين ما يقْبل القسمة وما لا يقبلها، والعبرةُ بذلك وقتَ القَبْض لا وقتَ العَقْد.
          وهكذا في العينيِّ وقال: العبرة في الشُّيوع وقت القبض لا وقت العقد، حتَّى لو وهب مُشاعًا وسلم مقسومًا. انتهى.
          وإلى ذلك أشار الشَّيخ قُدِّس سِرُّه في «اللَّامع» إذ كتب قوله: (وقالت أسماء للقاسم...) إلى آخره وكانا ابني أخيه وكان له بنون فكان ذلك وصيَّة منها، والوصيَّة بالمشاع جائزة عندنا أيضًا، أو كانت وهبت لهما فلمَّا اقتسماها تمَّت الهبة، ونحن نقرُّ أيضًا إن وهب مُشاعًا فاقتسمه الموهوب لهم فإنَّها تتمُّ بالقسمة وإن لم تتمَّ بالهبة نفسها، ومع ذلك ففعلُ أسماء ♦ ليس حجَّة على مجتهد.
          وقوله: (أعْطَيتُ هَؤُلَاءِ) فيه التَّرجمة حيث استرخصه أن يعطيهم، ولو لم تكن هبة المشاع جائزةً لَما استأذنه بلفظ الجمع الَّذِي ذكره في كلامه، والجواب: أمَّا أوَّلًا فبأنَّ إعطاءَه إيَّاهم لو وقع كما قصده النَّبيُّ صلعم لأعطى كلًّا منهم نصيبه والباقي مِنْ كلِّ واحد [واحد] منهم كان باقيًا / على ملكه حتَّى يعطيه آخر، فلم يكن إعطاؤه إيَّاهم إلَّا إعطاءَ واحدٍ بعد واحد.
          ولو سلم أنَّه قصد أن يعطيهم جميعًا فالقسمة في هذا المجلس كان مجوِّزة للهبة ومتمِّمة لها، كما ذكرنا في قصَّة أسماء، فافهم. انتهى مِنَ «اللَّامع».
          وفي «هامشه»: قال الحافظ: قد اعترض الإسماعيليُّ بأنَّه ليس في حديث سهل ما ترجم به وإنَّما هو مِنْ طريق الإرفاق وأطال في ذلك، والحقُّ كما قالَ ابن بطَّالٍ: أنَّه صلعم سأل الغلام أن يهب نصيبه للأشياخ وكان نصيبه منه مُشاعًا غير متميِّز، فدلَّ على صحَّة هبة المُشاع. انتهى.
          وفي «الفيض»: قوله: (باب: هبة الواحد...) إلى آخره اعلم أنَّه يشترط لصحَّة الهبة عندنا ألَّا يكون مُشاعًا، وذلك، لأنَّ القبض مِنْ تمام الهبة، وهو ضعيف في المشاع، ثمَّ إن كان الواهب واحدًا، والموهوب له جماعةً، فهو مشاع عند الإمام الأعظم، وقال صاحباه: إنَّه ليس بمُشاع وإن كان الواهب جماعةً، والموهوب له واحدًا، فلا شيوع عند الإمام، وأمَّا البخاريُّ فذهب: إلى هدر الشُّيوع ولم يره شيئًا، فتصحُّ عنده هبة المُشاع أيضًا... إلى آخر ما بسط فيه.