الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الهبة للولد

          ░12▒ (باب: الهبة للوَلَد...) إلى آخره
          اشتملت هذه التَّرجمة على أربعة أحكام:
          الأوَّل: الهبة للولد، وإنَّما ترجم به ليرفع إشكال مَنْ يأخذ بظاهر الحديث المشهور ((أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ)) لأنَّ مال الولد إذا كان لأبيه فلو وهب الأب ولده شيئًا كان كأنَّه وهب نفسه، ففي التَّرجمة إشارة إلى ضعف الحديث المذكور أو إلى تأويله، وهو حديث أخرجه ابن ماجه مِنْ حديث جابر، وبسط الحافظ في تخريجه ثمَّ قال: فمجموع طُرُقه لا تَحُطُّه عن القوَّة، فتعيَّن تأويله(1).
          الحكم الثَّاني: العدل بين الأولاد في الهبة، وهي مِنْ مسائل الخلاف كما سيأتي، وحديث الباب حجَّة مَنْ(2) أوجبه.
          والثَّالث: رجوع الوالد فيما وهب للولد، وهي خلافيَّة أيضًا.
          الرَّابع: أكلُ الوالد مِنْ مال الولد بالمعروف، قالَ ابن المنيِّر: وفي انتزاعه مِنْ حديث الباب خفاء، ووجهه لمَّا جاز للأب بالاتِّفاق أن يأكل مِنْ مال ولده إذا احتاج إليه، فلَأَنْ يسترجع ما وهبه له بطريق الأَولى (3). انتهى.
          وقالَ العَينيُّ في المسألة الثَّالثة: إنَّ الأب إذا وهب لابنه هل له أن يرجع؟ فيه خلاف، فعند الشَّافعيِّ وأحمد وإسحاق: ليس للواهب أن يرجع فيما وهب إلَّا الَّذِي ينحله الأب لابنه، وغير الأب مِنَ الأصول كالأب عند الشَّافعيِّ في الأصحِّ، وليس لغير الأب الرُّجوع عند مالك إلَّا أن عنده أنَّ الأمَّ لها الرُّجوع أيضًا، إذا كان أبوه حيًّا، وهذا هو الأشهر عند مالك، ورُوي عنه المنع. انتهى.
          وعند أصحابنا الحنفيَّة: لا رجوع فيما يهبه لكلِّ ذي رحم مَحْرم بالنَّسب، كالأخ والأخت، وكلِّ مَنْ لو كان امرأة لا يحلُّ له أن يتزوَّجها، وبه قال طاوس والحسن وأحمد. انتهى. / وكتب الشَّيخ قُدِّس سِرُّه في «اللَّامع»: إن أراد المصنِّف بعدم الجواز أنَّه لا يَصْلح فهو مسلَّم، ودلالة الرِّواية عليه واضحة، وإن أراد أنَّ الهبة لم تقع أصلًا فهو غير مُسَلَّم، والرِّواية دالَّة على خلافه، لأنَّ الإرْجَاع لا يمكن دونه. انتهى.
          وفي «هامشه»: هذا(4) هو المسألة الثَّانية مِنَ المسائل الأربعة المذكورة قبل، والمشهور مِنْ مذهب الإمام أحمد أنَّ التَّسوية في عطيَّة الأولاد واجب، فلو فضَّل بعضها فهي باطلة، وهو قول الثَّوريِّ وإسحاق وبه صرَّح البخاريُّ، وبه قال سائر الظَّاهرية وبعض المالكيَّة، والمشهور عن هؤلاء أنَّها باطلة، وعن أحمد أنَّها تصحُّ ويجب أن يرجع، وعنه يجوز التَّفاضُل إن كان بسبب كأن يحتاج الولد لزَمَانَتِه أو كثْرَةِ عالته أو اشتغاله بالعِلم ونحوه مِنَ الفضائل فيجوز، وقال أبو حنيفة وصَاحباه ومالكٌ والشَّافعيُّ: يجوز أن يَنْحَل لبعض ولده دون بعض، وقال الشَّافعيُّ: ترك التَّفضيل حسن الأدب، وقال طاوس: لا يجوز ذلك ولا رغيف محترق، وبه قال ابن المبارك... إلى آخر ما بسط في «هامش اللَّامع» في «الدَّلائل».


[1] فتح الباري:5/211
[2] في (المطبوع): ((لمن)).
[3] فتح الباري:5/212 مختصرا
[4] في (المطبوع): ((هذه)).