الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: إذا استأجر أرضا فمات أحدهما

          ░22▒ (باب: إذا استأجر أرضًا فَمَات أحَدُهُما)
          قال الحافظ: أي: هل تُفسخ الإجارة أم لا؟ والجمهور على عدم الفسخ، وذهب الكوفيُّون واللَّيث إلى الفسخ، واحتجُّوا بأنَّ الوارث مَلك الرَّقبةَ والمنفعةُ تبعٌ لها، فارتفعت يد المستأجر عنها بموت الَّذِي آجره، وتُعقِّب بأنَّ المنفعة قد تنفكُّ عن الرَّقبة كما يجوز بيع مسلوب المنفعة، فحينئذٍ مِلك المنفعة باقٍ للمستأجر بمقتضى العقد(1). انتهى.
          وتعقَّب العينيُّ على تعقُّب الحافظ مبسوطًا، فارجع إليه لو شئت.
          وفي «المغني»: إذا مات المُكري والمُكتري(2) أو أحدهما فالإجارة بحالها، وهو قول مالكٍ والشَّافعيِّ وإسحاقَ وغيرهم، وقالَ الثَّوريُّ وأصحاب الرَّأي: تنفسخ الإجارة بموت أحدهما... إلى آخر ما بسط في «الدَّليل».
          وفي «الدُّرِّ المختار»: تنفسخ(3) بلا حاجة إلى الفسخ بموت أحد عاقدين عندنا لا بجنونه مطبقًا، ولا بِرِدَّته إلَّا أن يَلْحَق بدارهم، ويُقْضى بهم، فإن عاد مسلمًا في المدَّة عادت الإجارة. انتهى.
          وقال أيضًا: لو رضي الوارث وهو كبير ببقاء الإجارة، ورضي به المستأجر جاز، أي: فيجعل الرِّضاء بالبقاء إنشاء عقد، أي: لجوازها بالتَّعاطي. انتهى.
          قوله: (ولم يُذكر أنَّ أبا بكر وعمر جدَّدا الإجارة) في «فيض الباري»: والعجب مِنَ البخاريِّ أنَّه يجعل معاملة النَّبيِّ صلعم مع أهل خيبر إجارةً، ثمَّ يحكم بإمضائها بعد وفاة أحد المتعاقدين، وهي عند الحنفيَّة خَراج مقاسمةً، ثمَّ قال بعد ذكر الإشكال والجواب عنه: فالحاصل أنَّها مزارعة عند البخاريِّ، وخراج مقاسمةً عند الحنفيَّة، وحينئذٍ فليسأل البخاريُّ أنَّ المزارعة هل تبقى بعد موت أحد المتعاقدين أيضًا؟ أمَّا خراج المقاسمة فيبقى ما بقيَتِ السَّلطنة، والظَّنُّ أنَّ البخاريَّ لم يتنقَّح عنده معاملتهم، فقد يجعلها إجارة وأخرى مزارعة، وراجع لتحقيقه «مبسوط السَّرَخْسيِّ» فقد حقَّقه بما لا مزيد عليه. انتهى.
          ثمَّ البراعة في قوله: (حتَّى أجلاهم عمر) واضحة كما قال الحافظ، ويحتمل أن يكون في قوله في أوَّل التَّرجمة: (فمات أحدهما) أو ما في الحديث مِنْ قوله: (قُبض النَّبيُّ صلعم).
          وفي «القول الفصيح» لشيخ الحديث مولانا فخر الدِّين أحمد: لقد أبدع المؤلِّف في نقد أبواب الإجارة حيث وضعها إلى ثلاثة أنواع: إجارة الإنسان، إجارة الحيوان، إجارة الأرض، فقدَّم إجارة الإنسان، وقسمها إلى إجارة الحرِّ وإجارة العبد، ثمَّ صنَّفها إلى ما يجوز منها وما لا يجوز، ثمَّ ثنَّى بإجارة الحيوان، ثمَّ ثلَّث بإجارة الأرض لأنَّ الأرض مرجع الأحياء والأموات جميعًا، قال: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا. أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} [المرسلات:25-26]، وقال تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55] [انتهى].


[1] فتح الباري:4/462
[2] في (المطبوع): ((والمكرَى)).
[3] في (المطبوع): ((وتنفسخ)).