الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب

          ░16▒ (باب: ما يُعْطَى في الرُّقْيَة على أحياء العرب...)
          قال الحافظ: والأحياء _بالفتح_: جمع حيٍّ، والمراد به طائفة مِنَ العرب / مخصوصة، وقد اعتُرض على المصنِّف بأنَّ الحكم لا يختلف باختلاف الأمكنة ولا باختلاف الأجناس، وتقييده في التَّرجمة بأحياء العرب يشعر بحصره فيه، ويمكن الجواب بأنَّه ترجم بالواقع ولم يتعرَّض لنفي غيره، وقد ترجم عليه في الطِّبِّ: (الشُّروط في الرُّقية بقطيع مِنَ الغنم) ولم يقيِّده بشيء، وترجم فيه أيضًا: (الرُّقية بفاتحة الكتاب) والرُّقية: كلام يُسْتشفى به مِنْ كلِّ عارض. انتهى.
          قال القَسْطَلَّانيُّ بعد ذكر الإشكال وجوابه عن الحافظ: واعترضه في «عمدة القاري» بأنَّ هذا الجواب غير مقنع لأنَّ القيد شرط إذا انتفى ينتفي المشروط.
          ثمَّ قال القَسْطَلَّانيُّ: وبحديث الباب تمسَّك الجمهور في جواز الأجرة على تعليم القرآن، ومنع ذلك الحنفيَّة في التَّعليم لأنَّه عبادة، والأجر فيها على الله تعالى، وأجازوه في الرُّقى لهذا الخبر. انتهى.
          وكتبَ الشَّيخ في «اللَّامع»: وقد خلط هؤلاء بين القراءة والتَّعليم فظنُّوهما واحدًا، وقد خلطوا أيضًا بين القراءة لأجل التِّلاوة وبينهما(1) لا لأجلها هل(2) بنيِّة الدُّعاء، وبينهما تفاوت لا يخفى... إلى آخر ما بسطه الشَّيخ في «اللَّامع».
          وفي «هامشه»: قالَ الموفَّق في «المغني»: ما لا تجوز إجارته أقسام، إلى أنْ قال: القسم الرَّابع: القُرَب الَّتِي يختصُّ فاعلها بكونه مِنْ أهل القُرْبة، يعني أنَّه يُشترط كونُه مُسْلمًا كالإمامة والأذان والحجِّ وتعليم القرآن، نصَّ عليه _أي على عدم الجواز_ أحمدُ، وبه قال عطاء وأبو حنيفة، وممَّن كره أجرة التَّعليم مع الشَّرط الحسن وابن سيرين والنَّخَعيُّ، وعن أحمد رواية أخرى: يجوز ذلك، وممَّن أجاز ذلك مالكٌ والشَّافعيُّ... إلى آخر ما بسط في «الدَّلائل»، ثمَّ قال: فأمَّا الأخذ على الرُّقية فإنَّ أحمد يختار جوازه، وقال: لا بأس، والفرق بينه وبين ما اختُلف فيه أنَّ الرُّقية نوع مداواة، والمداواة يجوز أخذ الأجرة عليها(3). انتهى.
          قوله: (ولم يرَ ابن سيرين بأجر القسَّام بأسًا) قيل: وجه ذكر القسَّام والخَارِص في هذا الباب الاشتراك في أنَّ جنسهما وجنس تعليم القرآن والرُّقية واحد. انتهى.
          وهذا وجه فيه تعسُّف، ويمكن أن يقال: وقع هذا استطرادًا لا قصدًا(4). انتهى مِنَ العَينيِّ.
          وفي «الفيض»: قوله: (القسَّام...) إلى آخره، كان بيت المال ينصب رجلًا للتَّقسيم، ويقال له: القسَّام، ويقال له في بلادنا: الأمين، وفي الفقه أنَّ أجرته تكون على بيت المال، وألَّا تؤخذ منهم. انتهى.
          وفي «الدُّرِّ المختار»: ويُنصب قاسم يُرزق مِنْ بيت المال ليَقْسم بلا أخذ أجرٍ منهم، وهو أحبُّ، وإن نُصب بأجر المثل صحَّ لأنَّها ليست بقضاءٍ حقيقة، فجاز أخذ الأجرة عليها، وإن لم يجز على القضاء. انتهى.
          وفي «هامش اللَّامع»: اختلف العلماء في أجرة القسَّام، قال الحافظ: كرهها مالك، وقيل: إنَّما كرهها لأنَّه كان يُرزق مِنْ بيت المال، فكره له أن يأخذ أجرة أخرى. انتهى.
          ولم يذكر الحافظ مذاهب الأئمَّة، وبسط الكلام عليه في «هامش اللَّامع» وحاصله أنَّها جائزة عند الجمهور، ثمَّ الأجرة بقدر نصيبهم في المال عند أحمد والشَّافعيِّ وأبي يوسف ومحمَّد، وقال أبو حنيفة: بقدر رؤوسهم.


[1] في (المطبوع): ((وبينها)).
[2] في (المطبوع): ((بل)).
[3] المغني لابن قدامة:5/411
[4] عمدة القاري: ج12/97