الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب من استأجر أجيرا فترك أجره فعمل فيه المستأجر فزاد

          ░12▒ (باب: مَنِ استأجر أجيرًا فترك أجْرَه...) إلى آخره
          قال القَسْطَلَّانيُّ: قوله: (فعمل فيه المستأجر) أي: بالتِّجارة والزراعة (فزاد) فيه، أي: ربح (ومَنْ عمل...) إلى آخره، هو مِنْ باب عطف العام على الخاصِّ. انتهى.
          وزاد الحافظ: لأنَّ العامل في مال غيره أعمُّ مِنْ أن يكون مستأجرًا أو غير مستأجر، ولم يذكر المصنِّف الجواب إشارة إلى الاحتمال كعادته، وقد تعقَّب المهلَّب ترجمة البخاريِّ بأنَّه ليس في القصَّة دليل لِما ترجم له، وإنَّما اتَّجر الرَّجل في أجر أجيره، ثمَّ أعطاه له على سبيل التَّبرُّع، وإنَّما الَّذِي كان يلزمه قَدْرُ العمل خاصَّة(1). انتهى.
          قلت: وقد تقدَّم هذا الحديث في كتاب البيوع في (باب: إذا اشترى شيئًا لغيره بغير إذنه) وأثبت منه جواز بيع الفضوليِّ، كما تقدَّم هناك مبسوطًا.
          قالَ العَينيُّ: قالَ الخطَّابيُّ: استدلَّ بالحديث أحمدُ على أنَّ المستودَع إذا اتَّجر في مال الوديعة وربح أنَّ الربح إنَّما يكون لربِّ المال، قال: وهذا لا يدلُّ على ما قال، وذلك أنَّ صاحب الفَرَق إنَّما تبرَّع بفعله، وتقرَّب به إلى الله ╡، وقد قال: إنَّه اشترى بقرًا وهو تصرُّف منه في أمر لم يوكِّله به، فلا يستحقُّ عليه ربحًا، والأشبه بمعناه أنَّه قد تصدَّق بهذا المال على الأجير بعد أن اتَّجر فيه وأنماه، والَّذي ذهب إليه أكثر الفقهاء في المستودَع إذا اتَّجر بمال الوديعة والمضارب إذا خالف ربَّ المال فربحا أنَّه ليس لصاحب المال مِنَ الرِّبح شيء، وعند أبي حنيفة: المضارب ضامن لرأس المال والرِّبح له، ويتصدَّق به، والوضيعة عليه، وقالَ الشَّافعيُّ: إن كان اشترى السِّلعة بعين المال فالبيع باطل، وإن كان بغير عينه فالسِّلعة مِلك المشتري، وهو ضامن للمال، وقال ابن بطَّالٍ: وأمَّا مَنِ اتَّجر في مال غيره فقالت طائفة: يطيب له الرِّبح إذا ردَّ رأس المال إلى صاحبه، سواء كان غاصبًا للمال أو كان وديعة عنده متعدِّيًا فيه، هذا قول مالكٍ والثَّوريِّ وأبي يوسف، واستحبَّ مالك والثَّوريُّ تنزُّهَهُ عنه ويتصدَّقَ به، وقالت طائفة: يردُّ المال ويتصدَّق بالرِّبح كلِّه ولا يطيب له منه شيء، هذا قول أبي حنيفة ومحمَّد وزفر، وقالت طائفة: الرِّبح لربِّ المال وهو ضامن لِما تعدَّى فيه، هذا قول ابن عمر، وبه قال أحمد وإسحاق(2). انتهى مختصرًا.
          وفي «الفيض»: قوله: (باب: مَنِ استأجر) فهل يكون الرِّبح للعامل أو للمالك؟ وقد مَرَّ عن «الهداية» أنَّ الرِّبح في البيع الفاسد يطيب للبائع لأنَّه ربح في ثمنه، ولا يطيب للمشتري فإنَّه ربح في المبيع، ووجهُ الفرق ذَكره صاحب «الهداية». انتهى مختصرًا.


[1] فتح الباري:4/450
[2] عمدة القاري: ج12/ص26