الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب ضريبة العبد وتعاهد ضرائب الإماء

          ░17▒ (باب: ضَرِيبَة العَبْد وتَعَاهُد ضَرَائب الإمام)
          الضَّريبة _بفتح المعجمة فَعيلة بمعنى مفعولة_: ما يقدِّره السَّيِّد على عبده في كلِّ يوم، وضرائب جمعها، ويقال لها: خَراج وغَلَّة _بالغين المعجمة_ وأجر، وقد وقع جميع ذلك في الحديث، ودلالة الحديث على التَّرجمة ظاهرة، فإنَّ المراد بها بيان حكم ذلك، وفي تقرير النَّبيِّ صلعم له دلالة على الجواز، وأمَّا ضرائب الإماء فيُؤخذ منه بطريق الإلحاق واختصاصها بالتَّعاهد لكونها مظنَّةَ تطرُّق الفساد في الأغلب، وإلَّا فكما يُخشى مِنِ اكتساب الأَمَة بفرجها يُخشى مِنِ اكتساب العبد بالسَّرقة مثلًا، ولعلَّه أشار بالتَّرجمة إلى ما أخرجه هو في «تاريخه» مِنْ طريق أبي داود الأحمريِّ قال: ((خطبَنا حذيفةُ حين قدم المدائن فقال: تعاهدوا ضرائب إمائكم)) وهو عند أبي نُعيم في «الحلية» بلفظ: ((ضرائب غلمانكم)) ولأبي داود مِنْ حديث رافع بن خَديج مرفوعًا: ((نهي(1) عن كسب الأَمَة حتَّى يُعلَم مِنْ أين هو؟))
          وقال ابن المنيِّر: كأنَّه أراد بالتَّعاهد التَّفقُّد لمقدار ضريبة الأَمَة لاحتمال أن تكون ثقيلة، / فتحتاج إلى التَّكسُّب بالفجور، ودلالته مِنَ الحديثِ أمره ╕ بتخفيف ضريبة الحجَّام، فلزوم ذلك في حقِّ الأَمَة أقعدُ وأَولى لأجل الغائلة الخاصَّة بها(2). انتهى.
          وبما قال ابن المنيِّر جزم الشَّيخ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع» ثمَّ قال: ولا يبعد أن يقال: أراد المصنِّف إثبات تعاهد ضرائب الإماء، وذكر ضريبة العبد مِنْ غير [ذكر] التَّعاهد في ضريبته، فأورد فيه رواية، ثمَّ لمَّا كانت الرِّواية تثبت مع ذلك مسألتين أخراوين وهما:
          جواز التَّكلُّم مع موالي العبد في التَّخفيف عنه.
          وجواز أجر الحجَّام، نبَّه عليهما في أثناء الكلام بلفظ: (الباب).
          وكذلك الرِّواية الموردة في الباب الثَّالث لمَّا كانت تثبت مع إثباتها مسألة التَّعاهد مسألة أخرى، وهي حرمة كسب الأَمَة إذا كان مِنْ زنًا نبَّه عليها بلفظ: (الباب).
          فالحاصل أنَّ التَّعاهد مشترك الثُّبوت بتلك الرِّوايات بأسرها، فكلُّها مِنَ الباب المتقدِّم، فإنَّ فيها ذكرًا لضريبة العبد، وهو المقصود بالإثبات، وتعاهد الإماء مذكور في الرِّواية الثَّالثة، إلَّا أنَّها لمَّا كانت متضمِّنة لمسائل أخر نبَّه عليها بزيادة الأبواب. انتهى.
          قلت: وهذا أوجهُ عندي فتكون التَّراجم الآتية مِنَ الأصلِ السَّادس مِنْ أصول التَّراجم، وهذا أصل معروف مطَّرد في البخاريِّ يقال له في ألسنة المشايخ: باب في باب. انتهى مِنْ «هامش اللَّامع».


[1] في (المطبوع): ((نهى)).
[2] فتح الباري:4/458