التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا لطم المسلم يهوديًا عند الغضب

          ░32▒ بَابٌ إذَا لَطَمَ المُسْلِمُ يَهُودِيًّا عِنْدَ الغَضَبِ
          رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ ☺، عَنِ النَّبِيِّ صلعم.
          هذا أسندَهُ فيما مَضَى [خ¦3408].
          6916- 6917- ثمَّ ساقَ حديثَ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ☺، عَنِ النَّبِيِّ صلعم: (لَا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ) وفي روايةٍ: (جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم قَدْ لُطِمَ وَجْهُهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِكَ مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ لَطَمَ فِي وَجْهِي..) الحديث.
          وفيه تَرْكُ القِصاص بين المسلمِ والكافرِ إذْ لم يَقتصَّ له مِن لَطْمةِ المسلم له، وهو قولُ جماعةِ الفقهاءِ كما سلف، وجهُ الدِّلالةِ أنَّه لو كان فيه قِصاصٌ لَبَيَّنَهُ، وهذه المسألة إجماعيَّةٌ لأنَّ الكوفيِّينَ لا يرون القِصاصَ في اللَّطمةِ ولا الأدبِ إلَّا أن يَجرحَهُ ففيه الأَرْشُ.
          وفيه جوازُ رَفْعِ المسلمِ إلى السُّلطان بِشكوَى الكافرِ به. وفيه خُلُقُه ╕ ومَا جَبَلَهُ الله عليه مِن التَّواضُعِ وحُسْنِ الأَدَبِ في قولِه: (لَا تُخَيِّرُوا بَيْنَ الْأَنْبِيَاءِ) وفي الرِّوايةِ الثانية: (لَا تُخَيِّرُونِي مِنْ بَيْنِ الْأَنْبِيَاءِ) وذَلك كقولِ الصِّدِّيق: وَلِيتُكُم ولستُ بخيرِكُم.
          وقد سلف الكلام على هذا الحديثِ وما قد يُعارضُه والجمعُ بينها في أبوابِ الإشخاصِ والملازمةِ، أحسنُها أنَّه مِن باب التَّواضعِ، وقيل: أنَّه قبل أن يَعلم أنَّه خيرُهم، فينبغي لأهلِ الفَضْلِ الاقتداءُ بالشَّارعِ والصِّدِّيقِ وغيرِهما، فإنَّ التَّواضعَ مِن أخلاقِ الأنبياءِ والصَّالحين، وَرَوى ابنُ أبي شَيْبَةَ مِن حديثِ أبي هُرَيْرَةَ ☺ مرفوعًا: ((مَن أَحَبَّ أن يَنظر إلى تواضُعِ عيسى ابنِ مريمَ فلينظر إلى أبي ذرٍّ)).
          وفيه أنَّ العَرْشَ جِسْمٌ وأنَّه ليس العِلم، كما قاله سعيدُ بن جُبَيرٍ، لقولِه: (فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ) وَالقائمةُ لا تكون إلَّا جِسمًا، وممَّا يؤيِّد هذا قولُه تعالى: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة:17] ومُحَالٌ أن يكونَ المحمولُ غيرَ جسْمٍ لأنَّه لو كان رُوحانيًّا لم يكنْ في حَمْلِ الملائكةِ الثَّمانيةِ له عجَبٌ، ولا في حمل واحدٍ، فلمَّا عَجِبَ اللهُ تعالى مِن حَمْلِ الثَّمانيةِ له علمْنا أنَّه جِسْمٌ، لأنَّ العَجَبَ في حمْلِ الثَّمانيةِ للعَرْشِ لِعَظَمَتِه وإحاطَتِهِ.
          وقولُه: (فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قال الدَّاودِيُّ: يعني النَّفخةَ، قال: في هذا الحديث بعض الوَهَمِ فذلك قولُه: (فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ) ثمَّ قال: (فَلَا أَدْرِي أَفَاقَ قَبْلِي) وَإنَّما قال: ((أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ)) وشكَّ في الإفاقة.
          وقولُه: (جُوزِيَ بِصَعْقَةِ الطُّورِ) قال الجَوْهَرِيُّ: تقول: جَزَيْتُهُ بما صَنَعَ وَجَازَيْتُهُ، بمعنًى.
          آخِرُ الدِّيَاتِ ومُتَعلَّقَاتِها ولله الحمْدُ.