التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب جنين المرأة

          ░25▒ بَابُ جَنِيِن المَرْأَةِ
          6904- ذَكَرَ فيه حديثَ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ رَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَطَرَحَتْ جَنِينَهَا، (فَقَضَى رَسُولُ الله صلعم فِيهَا بِغُرَّةٍ: عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ)
          وقد سَلَفَ في الفرائض [خ¦6740].
          6905- وحديثَ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ اسْتَشَارَهُمْ فِي إِمْلَاصِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: (قَضَى النَّبِيُّ صلعم بِالْغُرَّةِ: عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، فَشَهِدَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسَلَمَةَ أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ صلعم قَضَى بِهِ).
          6906- 6907- 6908- ثمَّ رواهُ مِن حديثِ هِشَامٍ عن أبيهِ (أَنَّ عُمَرَ نَشَدَ النَّاسَ: مَنْ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلعم قَضَى فِي السِّقْطِ؟ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: أَنَا سَمِعْتُهُ قَضَى فِيهِ بِغُرَّةٍ: عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، قَالَ: ائْتِ بمَنْ يَشْهَدُ مَعَكَ عَلَى هَذَا، فَقَالَ مُحَمَّد بْنُ مَسَلَمَةَ: أَنَا أَشْهَدُ عَلَى رسول الله صلعم بِمِثْلِ هَذَا).
          ثمَّ ساقَهُ مِن حديثِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّه سَمِعَ الْمُغِيرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عُمَرَ: (أَنَّهُ اسْتَشَارَهُمْ فِي إِمْلاصِ المَرْأَةِ) بمِثْلَهُ.
          الشَّرح: قد أسلفْنا الكلامَ على ذلكَ في بابِ الفَرائضِ، وأسلفْنا أنَّ الغُرَّةَ الخِيَارُ، وأصلُها البياضُ الَّذي يكون في وجه الفَرَسِ، وكان أبو عَمْرو بنُ العلاء يقول: الغُرَّةُ عبدٌ أبيضُ أو أمَةٌ بيضاء، وسُمِّي غرَّةً لبياضِه، ولا يُقبَلُ في الدِّيةِ عبدٌ أسودُ ولا جاريةٌ سوداءُ، وليس ذلك شرطًا عند الفقهاء، وإنَّما الغُرَّةُ عندَهم ما بلغَ منه نِصْفَ عُشْرِ الدِّيةِ للعبيدِ والإماءِ، وإنَّما تجبُ الغُرَّةُ في الجنينِ إذا سقطَ ميِّتًا كما سلفَ هناك، فإنْ سَقَطَ حيًّا ثمَّ مات ففيه الدِّيةُ كاملةً.
          وفي حديثِ ذي الجَوْشِن: ما كنتُ لِأَقِيضَهُ اليومَ بِغُرَّةٍ. سمَّى الفَرَس غرَّةً، وأكثرُ ما يُطلَقُ على العبد والأَمَةِ، ويجوزُ أن يكون أرادَ بالغُرَّةِ النَّفيسَ مِن كلِّ شيءٍ، فالتقديرُ مَا كنتُ لِأَقِيضَهُ بالشَّيءِ النَّفيس المرغوبِ فيه.
          وذكرْنا هناك الاختلافَ في قيمةِ الغُرَّة، فقال مالكٌ في «الموطَّأ»: ولم أسمعْ أنَّ أحدًا يخالفُ في الجنينِ أنَّه لا تكون فيه الغُرَّة حتَّى يزايلَ أُمَّه ويَسقُطَ مِن بطنِها مَيْتًا، فإنْ خَرَجَ حيًّا ثمَّ مات ففيه الدِّيةُ.
          واحتجَّ غيرُه له بأنَّ الجنينَ إذا لم يُزايلْ أُمَّه في حالِ حياتِها فحُكمُه حكمُ أُمِّه ولا حُكمَ له في نفْسِه، لأنَّه عضوٌ منها، فلا غُرَّةَ فيه لأنَّه تَبعٌ لِأُمِّه.
          وكذلك لو ماتتْ وهو في جوفِها لم يجبْ فيه شيءٌ لا دِيَةَ ولا قِصاص، فإنْ زايلَها قبل موتِها ولم يستهلَّ ففيه غُرَّةٌ عبدٌ أو أمَةٌ؛ لأنَّ الشَّارع إنَّما حَكَمَ في جنينٍ زايلَ أُمَّهُ مَيِّتًا، وهذا حُكمٌ مُجمَعٌ عليه، وسواءٌ كان الجنينُ ذكرًا أو أُنثَى إنَّما فيه غُرَّةٌ، فإذا زايلَ أُمَّه واستهلَّ ففيه الدِّية كاملةً لأنَّ حُكمَهُ قد انفردَ عن حُكْمِ أُمِّهِ وثبتَتْ حياتُه، فكان له حُكمُ نَفْسِه دونَ حُكْمِ أُمِّهِ، أَلَا ترى أنَّها لو أُعتِقَتْ أُمُّهُ لم يكن عِتْقًا له؟ ولو أُعتِقَتْ وهي حاملٌ به كان حُرًّا بِعِتْقِها؟ ولا خِلافَ في هذا أيضًا.