التوضيح لشرح الجامع البخاري

حديث: ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر

          ذكر البخاريُّ فيه أربعة أحاديث:
          3508- أحدها: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ، عَنِ الحُسَيْنِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ، أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ حَدَّثَهُ عَنْ أبي ذرٍّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلعم يقول: لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهْوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ نَسَبٌ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدُه مِنَ النَّارِ)، ويأتي في الأدب [خ¦6045]، وأخرجه مسلمٌ أيضًا.
          الشرح: شيخ البخاريِّ (أَبُو مَعْمَرٍ) اسمه: عبدُ الله بن عَمْرٍو الْمُقْعَدُ، وأَبُو الأَسْوَدِ اسمه: ظالمُ بن عَمْرِو بن سفيانَ بن عَمْرِو بن حَلْبَس بن يَعْمَر بن نُفَاثةَ بن عَدِيِّ بن الدِّيل بن بكرِ بن عبد مَنَاة بن كِنَانَة، وقيل: سارق بن ظالمٍ، وقيل: عكسه، ولَّاه ابن عبَّاسٍ قضاء البصرة في خلافة عليٍّ ☺، قال ابن سعدٍ: خرج ابن عبَّاسٍ مِن البصرة واستَخلفه عليها وأقرَّهُ عليُّ.
          ومعنى الكفر هنا: كفرُ الحقِّ وسترُهُ بما ارتكب مِن الباطل، وقال الدَّاوديُّ: يُقارب الكفر مِن عِظَم جُرمه والنَّارُ جزاؤه إن جُوزِي، وفي حديثٍ آخرَ: ((مَن تركَ قَتْلَ الحيَّاتِ خشيةَ الثأر فقد كَفَر))، والكُفر صِنفان: بالله وهو الأصل، وبالفرع كالكُفر بالقَدَرِ وشبه ذلك، ولا يخرج بهذا عن الإسلام، قال القُتَبِيُّ: كما يُقَال للمنافق: آمَن، ولا يُقَال: مؤمنٌ. وقال الهَرَوِيُّ: سمعتُ الأزهريَّ وسُئل عمَّن يقول بخلق القرآن أنسمِّيهِ كافرًا؟ فقال: الذي يقوله كفرٌ، وأُعِيدَ عليه السؤالُ ثلاثًا، كلُّ ذلك يقول مثلَ ما قال، ثمَّ قال آخرها: قد يقول المسلم كُفرًا. قلت: فمن اعتقد إباحة ذلك واستحلاله فهو كافرٌ، فإن لم يعتقده فيقاربُه كما مرَّ عن الدَّاوديِّ، أو كفر نعمةَ الله وإحسانَه وحقَّ الله: ومنه: ((ويَكفُرنَ العَشِيرَ)).
          وغالبًا إنَّما يفعل هذا الجاهل لخبثة نسب أبيه، فيرى الانتساب إليه عارًا في حقِّهِ، ولا شكَّ أنَّه محرَّمٌ.
          ومعنى (يَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) ينزل منزله منها، أو فليتَّخِذ منزلةً منها، وهو دعاءٌ أو خبرٌ بلفظ الأمر، ومعناه: هذا جزاؤه إن جُوزي كما سلف، وقد يُوفَّق للتوبة فيسقط ذلك عنه بالآخرة، فأمَّا في الدُّنيا فإنَّ جماعةً قالوا: إذا كَذَبَ على رسول الله صلعم لا تُقْبَل توبته، والمختارُ قبولُها.