التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول الله تعالى: {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم}

          ░26▒ (بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:146])
          3635- ذكر فيه حديثَ ابنِ عُمَرَ ☻: (أَنَّ اليَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلعم: مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟...) الحديث.
          الرجل لا يحضرني اسمُهُ والمرأةُ اسمها بُسْرَة، ومعنى (نَفْضَحُهُمْ) نكشِفُ مساوئهم، والاسمُ الفَضِيحة والفَضُوح، وفي روايةٍ: نُسوِّدُ وُجوهَهُما ونُحَمِّمْهما ونُخالِفُ بينَ وُجوهِهِما ويُطاف بهما. وفي روايةٍ للبخاريِّ [خ¦7543]: نُسَخِّمُ وُجُوهَهُمَا وَنُخْزِيهِمَا. وفي أكثر نُسخ مسلمٍ: نَحْمِلُهُمَا، بدل: نُحَمِّمْهُمَا، وهو أصوبُ، ورُوِي بالجيم. و(عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ) مخفَّفُ اللام، وجَدُّهُ الحارثُ إسرائيليٌّ مِن بَنِي قَيْنُقَاعَ، وهو مِن ولد يُوسفَ الصِّدِّيق، وكان اسمُه في الجاهليَّة الحُصَين فَغُيِّر، وكان حليفَ الأنصار، ماتَ سنة ثلاثٍ وأربعين في ولاية مُعَاوِيَة بالمدينة، شهد له الشارعُ بالجَنَّة، والواضعُ يدَه على آيةِ الرَّجْم هو عبدُ الله بن صُورِيَا الأعورُ، وقال المُنذِري: إنَّهُ ابن صُورِي، وقيَّدَهُ بعضهم بكسر الصَّاد.
          قوله: (فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَجْنَأُ عَلَى المَرْأَةِ يَقِيهَا الحِجَارَةَ) هو بجيمٍ ثمَّ نُونٍ ثمَّ ألفٍ مهموزةٍ، ويُروى بياءٍ مثنَّاةٍ تحتُ بدلها وبضمِّ أوَّلِه، وذكرتُ في «شرح العمدة» فيه سبعَ رواياتٍ، وكلُّها راجعةٌ إلى الوقاية:
          منها الحاء المهملة بضمِّ الياء وفتحها، ومنها الباء الموحَّدة بدل النُّون، وصوَّب الدَّارَقُطْنيُّ الإهمالَ، وكما ذكرَ ابن التِّين عن الخطَّابيِّ أنَّ المحفوظ بالجيم والهمز، أي يكبُّ عليها، يُقَال: جَنَأَ يَجْنَؤ جُنُوءًا، وعن ابن فارسٍ: جَنَوتُ الشيء عَطَفْتُهُ، عندي أنَّه ليس مِن هذَين لأنَّ جنى: يجني يكتب مستقبله بالألف، وليس هو كذلك في الأصل. قلت: بلى هو الأصحُّ في الأصول، وحَنوَتُ أَحْنُو مستقبله بالواو، وليس هو كذلك في الأُمَّهاتِ، وقال ابن فارسٍ: انْحَنَى الرَّجُل يَنْحَنِي ولم يهمزه.
          وفيه مِن الفوائد: أنَّ الكفَّارَ مخاطَبون بفروع الشريعة وهو الصحيح، وأنَّهم إذا تحاكموا إلينا نحكمُ بينهم بحُكم شرعنا لأنَّه ◙ رجمَهُما، وأنَّ أَنكِحَتَهم صحيحةٌ لأنَّه لا رجْمَ إلَّا على مُحْصِنٍ، وفيه أنَّ الإسلامَ ليس شرطًا في الإحصان، وهو قول الشَّافعيِّ خلافًا لأبي حنيفةَ ومالكٍ، واعتذروا باعتذاراتٍ: منها أنَّ رجمَهما لكونهما ليسا أهل ذِمَّةٍ، لعلَّه كان قبل النَّهي عن قَتْل النِّساء، ومنها أنَّه رجمَهمُا بحُكم التوراة فإنَّهُ سألَهم ذلك عند قدوم المدينة، وأنَّ آية حَدِّ / الزِّنا نزلت بعد ذلك، فكان الحديث منسوخًا ويحتاج إلى تحقيق التاريخ وكانا مِن أهل العهد، ومنها أنَّ ابنَ عُمَرَ ☻ راويه يقول: لا تحصن أنكحةُ الكفَّار، وجوابُه أنَّ العِبرة بما رواه، ومنها أنَّ يكونَ رجمُهما قبلَ أن يكون الإحصان مِن شروط الرَّجْم، وهو دعوى.
          واحتجَّ به بعض الحنفيَّةِ على قبول شهادة الكفَّار بعضِهم على بعضٍ، وجوابه: أنَّه كان بإقرارهما، واستدلَّ به بعضهم على أنَّه لا يُحفَر للمرأة ولا للرَّجُلِ، على أنَّه لو حُفِر لهما لم يَجْنَأ عليها يَقِيها الحجارةَ، وسيأتي في موضعه باقيه.