التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: قصة زمزم

          ░11▒ (بَابُ قِصَّةِ زَمْزَمَ)
          3522- ذكرَ فيه حديثَ أبي جَمْرَةَ _بالجيم_ عن ابن عبَّاسٍ ☻ في إسلام أبي ذرٍّ ☺ وأنَّه كان يشرب مِن ماء زمزم ويكون في المسجد إلى أن أسلم، وقال له ◙: (اكْتُمْ هَذَا الأَمْرَ) فلم يكتمه وأعلن به فضُرِبَ ثمَّ أعلن به ثاني يوم فَضُرب، وسيأتي في المغازي [خ¦3861]، وذكر هناك أنَّه لَمَّا أتى ليُسْلِمَ أخذَ ◙ جبهتَه بأصبعيه، وقال: ((غِفَارُ يهدي الله مَن يشاء))، كأنَّه استعظم أن يكون بها مثل أبي ذرٍّ، قال الدَّاوديُّ: والصحيح ما ها هنا!
          وقوله: (فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ ☺ فَقَالَ: مَا آنَ للرَّجُلِ أَنْ يَعْرِفَ مَنْزِلَه بَعْدُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا) أي مَا حانَ، ومثله حديث الحسن: ما يأني أن يتفقَّهُوا، أي لم يأنِ لهم، ومنه قولهم: نولُك أن تفعل كذا، أي حقُّكَ، وفي بعض النسخ: <آنى> يُقَال: أَنَى يَأْنِي، وآنَ يَئِين، أي حانَ.
          وفيه مقام العبَّاسِ وجلالته عندهم حيثُ أكبَّ عليه ونزعه منهم، وما أحسن قوله: (وَيْلَكُمْ تَقْتُلُونَ رَجُلًا مِن غِفَارَ، وَمَتْجَرُكُمْ وَمَمَرُّكُم عَلَى غِفَارَ).
          وقوله: (فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ) كذا في الأصول، وفي نسخةٍ: <يا معاشر>.
          وقوله: (قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئِ) أي الذي خرج مِن دينٍ إلى دينٍ، وبذلك سُمِّي الصَّائبون؛ لأنَّهم خرجوا مِن النَّصْرانيَّةِ إلى دينٍ ابتدعوه، ولذلك كان كفَّارُ قُرَيْش يقولون لرسول الله صلعم: صابئٌ؛ لأنَّه خرج مِن دينهم إلى الإسلام، ومنه صبأتِ النُّجُوم خرجت مِن مطالعها، وصبأ نابُهُ: خرج.
          وقوله: (فَأَقْلَعُوا عَنِّي) أي كَفُّوا، يقال: أقلعَ عنِ الأمر، أي كفَّ، ومنه أقلعَتْ عنه الحُمَّى، قال قَتَادةُ: الصَّائبون يعبدون الملائكة ويصلُّون القبلة ويقرؤون الزَّبُور.
          واعلم أنَّ في حديث ابن عبَّاسٍ في الباب وحديث عُبَادَةَ بن الصَّامِتِ في مسلمٍ تباعدٌ واختلافٌ، / إذ فيه: أنَّ أبا ذرٍّ لقيَ رسول الله صلعم أوَّلَ ما لقيه ليلًا وهو يطوف بالكعبة، فأسلمَ إذ ذاك بعد أن أقام ثلاثين بين يومٍ وليلةٍ ولا زادَ له، إنَّما اغتذى بماء زَمْزَمَ، وحديث ابن عبَّاسٍ ☻ أنَّه كان له قُربةٌ وزادٌ، وأنَّ عليًّا ضافَه ثلاث ليالٍ ثمَّ أدخله على رسول الله صلعم في بيته فأسلَمَ، ثمَّ خرج فصرخ بكلمتي الشهادة، والله أعلمُ أيُّ الروايتين هو الواقع، نبَّه على ذلك القُرْطُبيُّ، قال: ويُحْتَمل أنَّ أبا ذرٍّ لَمَّا لَقِيَ رسولَ الله صلعم حولَ الكعبة فأسلَمَ لم يعلم به إذ ذاك عليٌّ ☺ إذ لم يكن معهم، ثمَّ دخل مع عليٍّ فجدَّد فظنَّهُ أوَّلَ إسلامه، وفيه بُعْدٌ.